للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبُوكَ وَمَنْعُ١ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُكَالَمَتِهِمْ، وَإِرْجَاءُ أَمْرِهِمْ: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} [التَّوْبَةِ: ١١٨] .

وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ٢ عِنْدَ خَشْيَةِ الْعَنَتِ، ثُمَّ قَالَ: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النِّسَاءِ: ٢٥] .

إِلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَشَقَّةَ قَدْ تَبْلُغُ فِي الْأَعْمَالِ الْمُعْتَادَةِ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَلَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مُعْتَادٌ، وَمَشَقَّتُهُ فِي مثله مِمَّا يُعْتَادُ؛ إِذِ الْمَشَقَّةُ فِي الْعَمَلِ الْوَاحِدِ لَهَا طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ، طَرَفٌ أَعْلَى بِحَيْثُ لَوْ زَادَ شَيْئًا لَخَرَجَ٣ عَنِ الْمُعْتَادِ، وَهَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعْتَادًا، وَطَرَفٌ أَدْنَى بِحَيْثُ لَوْ نَقَصَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَشَقَّةٌ تُنْسَبُ إِلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَوَاسِطَةٌ هِيَ الْغَالِبُ وَالْأَكْثَرُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَكَثِيرٌ مِمَّا يَظْهَرُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ مِنَ الْمَشَقَّاتِ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ لَا٤ يَكُونُ كَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ عَارِفًا بِمَجَارِي الْعَادَاتِ، وَإِذَا لَمْ تَخْرُجْ عَنِ الْمُعْتَادِ، لَمْ يَكُنْ لِلشَّارِعِ قَصْدٌ فِي رَفْعِهَا، كَسَائِرِ الْمَشَقَّاتِ الْمُعْتَادَةِ فِي الْأَعْمَالِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْعَادَةِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا رُخْصَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَوْضِعُ مشتبها فيكون محلا للخلاف٥.


١ ربما يقال: إن هذا ليس تكليفا لهم، ولكنه نوع من العقوبة؛ لأن غيرهم هو الذي كلف بهجرهم، ولم يكلفوا إلا بهجر نسائهم في آخر المدة تقريبا، وليس هذا من المشقات التي يتوهم فيها الخروج عن المعتاد، فما هو الذي كان يمكنهم فعله ليخلصوا من عقوبة الهجر فلم يفعلوه؟ "د".
٢ أي: المشقة في عدم إباحة التزوج بهن إلا عند بلوغ الأمر خوف الزنا، أما ما قبل ذلك من شدة الداعية إلى النكاح، فلا يعتد به وإن كان مشقة، ومع وجود المشقة التي اعتبرت هنا في الرخصة، فقد ندب إلى الصبر عند نكاحهن، فدل على أن المشقة في هذا الباب تقدر بحسبها فيه، لا بحسب نسبتها إلى المشقات في الأبواب الأخرى. "د".
٣ في الأصل: "يخرج".
٤ في "ط": "ولا".
٥ في "ط": "محل خلاف".

<<  <  ج: ص:  >  >>