للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا ذَمَّ الدُّنْيَا وَمَتَاعَهَا، همَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَبَتَّلُوا وَيَتْرُكُوا النِّسَاءَ وَاللَّذَّةَ وَالدُّنْيَا، وَيَنْقَطِعُوا إِلَى الْعِبَادَةِ، فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" ١.

وَدَعَا لِأُنَاسٍ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ بَعْدَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التَّغَابُنِ: ١٥] ، وَالْمَالُ وَالْوَلَدُ هِيَ الدُّنْيَا٢، وَأَقَرَّ الصَّحَابَةَ عَلَى جَمْعِ الدُّنْيَا وَالتَّمَتُّعِ بِالْحَلَالِ مِنْهَا، وَلَمْ يُزَهِّدْهُمْ وَلَا أَمَرَهُمْ بِتَرْكِهَا، إِلَّا عِنْدَ ظُهُورِ حِرْصٍ أَوْ وُجُودِ مَنْعٍ مِنْ حَقِّهِ، وَحَيْثُ تَظْهَرُ مَظِنَّةُ مُخَالَفَةِ التَّوَسُّطِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَمَا سِوَاهُ، فَلَا.

وَمِنْ غَامِضِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَمَّا يُجَازِي بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّهُ جَزَاءٌ لِأَعْمَالِهِمْ، فَنَسَبَ إِلَيْهِمْ٣ أَعْمَالًا وَأَضَافَهَا إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السَّجْدَةِ: ١٧] .

وَنَفَى الْمِنَّةَ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} ٤ [التِّينِ: ٦] .

فَلَمَّا منُّوا بِأَعْمَالِهِمْ قَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الْحُجُرَاتِ: ١٧] .

فَأَثْبَتَ الْمِنَّةَ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا هُوَ الْأَمْرُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْطَعُ حَقٍّ، وَسَلَبَ٥.


١ مضى تخريجه "١/ ٥٢٢".
٢ أي: التي قد ذمها: "د".
٣ في "ط": "لهم".
٤ جارٍ على أن المعنى غير ممنون به، وأكثر المفسرين على تفسيره بأنه غير مقطوع. "د".
٥ فلم يضف العمل لهم، بل أضافه لنفسه ومَنَّ به عليهم بخلاف غيرهم، فإنه أضافه لهم وسلب المنة فيه عنهم. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>