للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الِاعْتِدَالُ فِي تَوَافُقِ مِزَاجِ الْمُغْتَذِي مَعَ مِزَاجِ الْغِذَاءِ، وَيُخْبِرُ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْمَأْكُولَاتِ الَّتِي يَجْهَلُهَا الْمُغْتَذِي؛ أَهْوَ غِذَاءٌ، أَمْ سُمٌّ، أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ فَإِذَا أَصَابَتْهُ عِلَّةٌ بِانْحِرَافِ بَعْضِ الْأَخْلَاطِ، قَابَلَهُ فِي مُعَالَجَتِهِ عَلَى مُقْتَضَى انْحِرَافِهِ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ؛ لِيَرْجِعَ إِلَى الِاعْتِدَالِ وَهُوَ الْمِزَاجُ الْأَصْلِيُّ، وَالصِّحَّةُ الْمَطْلُوبَةُ، وَهَذَا غَايَةُ الرِّفْقِ، وَغَايَةُ الْإِحْسَانِ وَالْإِنْعَامِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا نَظَرْتَ فِي كُلِّيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فَتَأَمَّلْهَا تَجِدْهَا حَامِلَةً عَلَى التَّوَسُّطِ، فَإِنْ رَأَيْتَ مَيْلًا إِلَى جِهَةِ طَرَفٍ مِنَ الْأَطْرَافِ، فَذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ وَاقِعٍ أَوْ مُتَوَقَّعٍ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ.

فَطَرَفُ التَّشْدِيدِ -وَعَامَّةُ مَا يَكُونُ فِي التَّخْوِيفِ وَالتَّرْهِيبِ وَالزَّجْرِ- يُؤْتَى بِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الِانْحِلَالُ فِي الدِّينِ.

وَطَرَفُ التَّخْفِيفِ -وَعَامَّةُ مَا يَكُونُ فِي التَّرْجِيَةِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْخِيصِ- يُؤْتَى بِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحَرَجُ فِي التَّشْدِيدِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلَا ذَاكَ رَأَيْتَ التَّوَسُّطَ لَائِحًا، وَمَسْلَكَ الِاعْتِدَالِ وَاضِحًا، وَهُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَالْمَعْقِلُ الَّذِي يُلْجَأُ إِلَيْهِ.

وَعَلَى هَذَا إِذَا رَأَيْتَ فِي النَّقْلِ مِنَ الْمُعْتَبِرِينَ فِي الدِّينِ مَنْ مَالَ عَنِ التَّوَسُّطِ، فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ مُرَاعَاةً مِنْهُ لِطَرَفٍ وَاقِعٍ أَوْ متوقع في الجهة الأخرى١،


١ الميل عن التوسط الصالح لأن يكون علاجا للأنفس إنما يصح في العمل ذي الوجوه الجائزة كالعزيمة والرخصة، أما في الفتوى، فقد سوغ بعض أهل العلم للمجتهد أن ينظر إلى حال المكلف المعين ويأخذ له في الفتوى بقول غيره من الصحابة والتابعين عندما يفهم من حاله أنه إن أفتاه بالقول الراجح في نظره، لم يقبل الفتوى، وأفضت به الاستهانة بأمر الدين إلى اقتحام ما هو أشد من المخالفات، وممن قرر المسألة على هذا الوجه وقصر النظر فيها على المجتهد دون المقلد أبو بكر بن العربي في كتاب "العواصم من القواصم"، ولكنا لم نظفر بدليل يشهد بصحة أن يفتي المجتهد بغير ما يراه القول الحق، وسيمر بك تحقيق هذا في بحث العمل بالقول الراجح. "خ".

<<  <  ج: ص:  >  >>