للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا:

أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْحُكْمِ مَا سَاوَاهُ فِي الْقَصْدِ؛ لِأَنَّ قِسْمَ الْحَظِّ هُنَا قَدْ صَارَ عَيْنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِالْقَصْدِ، وَهُوَ الْقِيَامُ بِعِبَادَةٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ مُخْتَصَّةٍ بِالْخَلْقِ فِي إِصْلَاحِ أَقْوَاتِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ، أَوْ١ صَارَ صَاحِبُهُ عَلَى حَظٍّ مِنْ مَنَافِعِ الْخَلْقِ يُشْبِهُ الْخُزَّانَ عَلَى أَمْوَالِ بُيُوتِ الْأَمْوَالِ وَالْعُمَّالِ فِي أَمْوَالِ الْخَلْقِ، فَكَمَا لَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ هَدِيَّةً وَلَا عِوَضًا عَلَى مَا وَلِيَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَا تعبد به، كذلك ههنا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مِقْدَارِ حَاجَتِهِ يَقْتَطِعُهُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ، كَمَا يَقْتَطِعُ الْوَالِي مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ يَبْذُلُهُ٢ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، إِمَّا بِهَدِيَّةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إِرْفَاقٍ، أَوْ إِعْرَاءٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَوْ٣ يعد نفسه في الأخذ كالغير يأخذ من حيث يَأْخُذُ الْغَيْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ كَالْوَكِيلِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْقَيِّمِ بِمَصَالِحِهِ عَدَّ نَفْسَهُ مِثْلَ ذَلِكَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهَا نَفْسٌ مَطْلُوبٌ إِحْيَاؤُهَا عَلَى الْجُمْلَةِ.

وَمِثْلُ هَذَا مَحْكِيٌّ الْتِزَامُهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفُضَلَاءِ، بَلْ هُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي الِاكْتِسَابِ مَاهِرِينَ وَدَائِبِينَ وَمُتَابِعِينَ لِأَنْوَاعِ الِاكْتِسَابَاتِ؛ لَكِنْ لَا ليدخروا لأنفسهم، ولا ليحتجنوا٤


١ لعل التنويع إشارة إلى النوعين السابقين فيما لا حظ فيه، وتقدم أنهما إما عبادة بدنية أو مالية، وإما قيام بولاية عامة على مصالح المسلمين، ويدل عليه قوله: "عَلَى مَا وَلِيَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَا تعبد به". "د" "استدراك ٦".
٢ في الأصل و"خ" و"ماء/ ص١٨٦": "بذله".
٣ لعلها واو عطف على "يقتطعه"؛ إذ هما قسم واحد كما سيجيء له، نعم، قد يؤخذ من جعل نفسه كالغير أنه يصح له الزيادة عن حاجته، ولكن هذا ليس بمراد بدليل السباق واللحاق. "د".
٤ في الأصل: "ليحتنوا"!! واحتجان المال: جمعه وضم ما انتشر منه، كما في "اللسان" "مادة ح ج ن ١٣/ ١٠٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>