للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إِيثَارًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِيثَارِ تَقْدِيمُ حَظِّ الْغَيْرِ عَلَى حَظِّ النَّفْسِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَعَ طَلَبِ الْعِوَضِ الْعَاجِلِ، وَهَكَذَا سَائِرُ الْمَطْلُوبَاتِ الْعَادِيَّةِ وَالْعِبَادِيَّةِ، فَهَذَا وَجْهٌ نَظَرِيٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِمُقْتَضَاهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي:

أن يقال: إنه يرجع في الحكم إلى أَصْلِهِ مِنَ الْحَظِّ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ أَثْبَتَ لِهَذَا الْعَامِلِ حَظَّهُ فِي عَمَلِهِ، وَجَعَلَهُ الْمُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، حَتَّى إِنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِجَمِيعِهِ كَانَ سَائِغًا، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَدَّخِرَهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ يَبْذُلَهُ١ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ، فَهِيَ هَدِيَّةُ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَكَيْفَ٢ لَا يَقْبَلُهَا؟ وَهُوَ وَإِنْ أَخَذَهَا بِالْإِذْنِ وَعَلَى مُقْتَضَى حُدُودِ الشَّرْعِ، فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا جُعِلَ لَهُ فِيهِ حَظٌّ، وَمِنْ حَيْثُ جُعِلَ لَهُ، وَبِالْقَصْدِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ الْقَصْدُ إِلَيْهِ.

وَأَيْضًا٣ فَالْحُدُودُ الشَّرْعِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا حَظٌّ، فَهِيَ وَسِيلَةٌ وَطَرِيقٌ إِلَى حَظِّهِ، فَكَمَا لَمْ يَحْكُمْ لِلْمَقْصِدِ بِحُكْمِ الْوَسِيلَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ من أخذ الإنسان ماليس لَهُ فِي الْعَمَلِ بِهِ حَظٌّ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ٤ إِلَى حَظِّهِ كَالْمُعَاوَضَاتِ، فَكَذَلِكَ لَا يُحْكَمُ هُنَا لِلْمَأْذُونِ فِيهِ مِنَ الْحَظِّ بِحُكْمِ مَا تَوَسَّلَ به إليه.


١ في الأصل و"خ" و"ماء/ ص ١٨٦" و"ط": ويبذله".
٢ الأصل: كيف".
٣ رد لقوله في الوجه السابق: "إن طلب ما فيه حظ مقيد بالقيود الشرعية التي لا حظَّ فيها"، فينتفي أن يكون فيه الحظ، فيرد عليه هنا بأن هذه الحدود إن هي إلا وسيلة إلى حصول حظه، وليس بلازم أن يأخذ المقصد حكم الوسيلة، ألا ترى أن ما فيه حظ الشخص بالقصد الأول كأنواع الحرف والتجارات والمعاوضات لا يصل الشخص فيها إلى غرضه إلا بطريق نفع الغير، ومع ذلك لم يأخذ المقصد فيها حكم ما كان في طريقها من مصلحة الغير، وعد مما كان فيه حظ الشخص أصالة وحظ الغير بالعرض. "د".
٤ وإن كان مما فيه مصلحة الغير، إلا أنها جاءت بطريق العرض، فلم يأخذ المقصد حكم هذه الوسيلة. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>