للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ شَيْئًا، بَلْ لَا يَجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ حَظًّا لِنَفْسِهِ مِنَ١ الْحُظُوظِ؛ إِمَّا لِعَدَمِ تَذَكُّرِهِ لنفسه لاطراح حظها حتى يصير مِنْ قَبِيلِ مَا يُنْسَى، وَإِمَّا قُوَّةُ يَقِينٍ بالله؛ لأنه عالم به وبيده ملكوت السموات وَالْأَرْضِ٢ وَهُوَ حَسْبُهُ فَلَا يُخَيِّبُهُ، أَوْ عَدَمُ الْتِفَاتٍ إِلَى حَظِّهِ يَقِينًا بِأَنَّ رِزْقَهُ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ النَّاظِرُ لَهُ بِأَحْسَنِ مِمَّا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ، أَوْ أَنَفَةً مِنَ الِالْتِفَاتِ إِلَى حَظِّهِ مَعَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْوَارِدَةِ عَلَى أَصْحَابِ الْأَحْوَالِ، وَفِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ جَاءَ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الْحَشْرِ: ٩] .

وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ رِضَيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَعَثَ لَهَا بِمَالٍ فِي غِرَارَتَيْنِ -قَالَ الرَّاوِي: أَرَاهُ ثَمَانِينَ وَمِائَةَ أَلْفٍ- فَدَعَتْ بِطَبَقٍ وَهَى يَوْمَئِذٍ صَائِمَةٌ، فَجَعَلَتْ تُقَسِّمُهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَمْسَتْ وَمَا عِنْدَهَا مِنْ ذَلِكَ دِرْهَمٌ، فَلَمَّا أَمْسَتْ قالت: "يا جرية هَلُمِّي أَفْطِرِي"، فَجَاءَتْهَا بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ. فَقِيلَ لَهَا: أَمَا اسْتَطَعْتِ فِيمَا قَسَمْتِ أَنْ تَشْتَرِي بِدِرْهَمٍ لَحْمًا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: لَا تُعَنِّيني، لَوْ كُنْتِ ذَكَّرْتِنِي لَفَعَلْتُ٣.

وَخَرَّجَ مَالِكٌ أَنْ مِسْكِينًا سَأَلَ عَائِشَةَ وَهَى صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلَّا رَغِيفٌ، فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا: اعْطِيهِ إِيَّاهُ. فَقَالَتْ: لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ: أعطيه إياه. قالت: ففعلت. [قالت] : فلما أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ إِنْسَانٍ


١ في "ط": "في".
٢ في "ط": "ملكوت كل شيء".
٣ أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" "٨/ ٦٧"، والدارقطني في المستجاد" "رقم ٣٦، ٣٧"، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" "١٦/ ق ٧٣٨"، والحاكم في "المستدرك "٤/ ١٣"، وأبو نعيم في "الحلية" "٢/ ٤٧ و٤٩"، والبغوي في "الجعديات" "١٦٧٣" بإسناد صحيح، بألفاظ مقاربة.
ووقع في بعض طرقه أن معاوية هو الذي بعض إليها بالمال، اشترى به منها دارا، ولا تَعَارُضَ، فهو المرسِلُ، وابنُ الزبيرِ المرسَلُ، إلا إذا حمل على تعدد القصة، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>