للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَظِّهِ شَيْءٌ.

بِخِلَافِ مُرَاعَاةِ الْمَقَاصِدِ التَّابِعَةِ، فَقَدْ يَفُوتُهُ مَعَهَا جُلُّ هَذَا أَوْ جَمِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُرَاعِي مَثَلًا زَوَالَ الْجُوعِ أَوِ الْعَطَشِ أَوِ الْبَرْدِ أَوْ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ أَوِ التَّلَذُّذَ بِالْمُبَاحِ مُجَرَّدًا عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَلَا رُوعِيَ فِيهِ قَصْدُ الشَّارِعِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ منجرٌّ١ مَعَهُ، وَلَوْ رُوعِيَ قَصْدُ الشَّارِعِ لَكَانَ الْعَمَلُ امْتِثَالًا، فَيَرْجِعُ إِلَى التَّعَلُّقِ بِمُقْتَضَى الْخِطَابِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا لَمْ يراعَ٢، لَمْ يبقَ إِلَّا مُرَاعَاةُ الْحَظِّ خَاصَّةً، هَذَا وَجْهٌ.

وَوَجْهٌ ثانٍ أَنَّ الْمَقَاصِدَ الْأَصْلِيَّةَ رَاجِعَةٌ إِمَّا إِلَى مُجَرَّدِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ٣ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي شَيْءٍ سِوَى ذَلِكَ، وَهُوَ بِلَا شَكٍّ طَاعَةٌ لِلْأَمْرِ وَامْتِثَالٌ لِمَا أُمِرَ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ، وَإِمَّا إِلَى مَا٤ فُهِم مِنَ الْأَمْرِ مِنْ أَنَّهُ عَبْدٌ اسْتَعْمَلَهُ سَيِّدُهُ فِي سُخْرَةِ عَبِيدِهِ، فَجَعَلَهُ وَسِيلَةً وَسَبَبًا إلى وصول حاجاتهم إليهم كيف يشاء.


١ أي: فهو وإن كان عمله موافقا لقصد الشارع ولم يخالفه، إلا أنه لم يراعِ ذلك في عمله حتى يكون خارجا عن داعية هواه، أي أنه لم يعمل التفاتا لمقتضى خطاب الشارع أمرا أو نهيا أو إذنا، بل بمقتضى مجرد حاجته هو وداعية شهوته بقطع النظر عن الخطاب. "د".
٢ في الأصل: "يرعَ".
٣ لم يذكر هنا ما يتعلق بالمباح، فيقول: "أو توجهه للخطاب بالإذن، وقد ذكر الإذن في الوجه الأول، واحتجنا فيه إلى التكلف لتصحيح الكلام بجعله داخلا في المقاصد الأصلية، على أنه في الأول أيضا عند قوله: "فإذا اكتسب الإنسان امتثالا للأمر ... إلخ"، لم يذكر الإذن، ومحصل الفرق بين هذا الوجه وما قبله أنه جعل هناك حكمة الأمر إحياء النفوس وإماطة الشرور عنها، وهنا جعل الحكمة أنه عبد سخره سيده في مصلحة عبيده وجعله وسيلة لإيصال حاجاتهم إليهم، ولم يقل هنا: "إنه يكون مقدما"، بل قال: "فكأن السيد هو القائم له بحظه"، فهل يعتبر هذا وذاك فيما به التغاير بين الوجهين؟ تأمل. "د".
٤ في الأصل: "إذا ما فهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>