للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عامل بنفسه، وغير مستويين فاعل وَفَاعِلٌ بِنَفْسِهِ، فَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ، وَالثَّانِي عَامِلٌ بِنَفْسِهِ، فَلِذَلِكَ قَلَمَّا تَجِدُ صَاحِبَ حَظٍّ يَقُومُ بِتَكْلِيفٍ شَاقٍّ، فَإِنْ رَأَيْتَ مَنْ يَدَّعِي تِلْكَ الْحَالَ، فَاطْلُبْهُ بِمَطَالِبِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَقَامِ، فَإِنْ أَوْفَى بِهِ، فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلَّا، عَلِمْتَ أَنَّهُ مُتَقَوِّلٌ قَلَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ مَا ادَّعَى، وَإِذَا ثَبَتَ أن صاحب المقاصد الأول محمول، فلذلك أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْإِخْلَاصِ، وَصَاحِبُ الْحَظِّ١ لَيْسَ بِمَحْمُولٍ ذَلِكَ الْحِمْلِ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا نَقَصَ عِنْدَهُ حَظُّهُ، فَإِذَا سَقَطَ حَظُّهُ ثَبَتَ قَصَدُهُ فِي الْمَقَاصِدِ الْأُوَلِ، وَثَبَتَ لَهُ الْإِخْلَاصُ، وَصَارَتْ أَعْمَالُهُ عِبَادَاتٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَنَحْنُ نَرَى كَثِيرًا مِمَّنْ يَسْعَى فِي حَظِّهِ وَقَدْ بَلَغَ الرُّتْبَةَ الْعُلْيَا فِي أَهْلِ الدِّينِ، بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الطِّيبَ، وَالنِّسَاءَ٢ وَالْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ٣، وَكَانَ تُعْجِبُهُ الذِّرَاعُ٤، وَيُسْتَعْذَبُ لَهُ الْمَاءُ٥، وَأَشْبَاهُ ذلك مما هو اتباع لحظ النفس؛ إذ كَانَ لَا يَمْتَنِعُ مِمَّا يَشْتَهِيهِ مِنَ الْحَلَالِ، بَلْ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ إِذَا وَجَدَهُ، وَقَدْ بَلَغَ الرُّتْبَةَ الْعُلْيَا فِي أَهْلِ الدِّينِ، وَهُوَ أَتْقَى الخلق وأزكاهم، و"كان خُلُقُهُ الْقُرْآنَ"٦، فَهَذَا فِي هَذَا الطَّرَفِ.

وَنَرَى أَيْضًا كَثِيرًا مِمَّنْ يُسْقِطُ حَظَّ نَفْسِهِ وَيَعْمَلُ لِغَيْرِهِ أَوْ فِي مَصَالِحِ الْعِبَادِ بِمُقْتَضَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ صَادِقًا فِي عَمَلِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ، فليس له في الآخرة من


١ أي: الذي خلط في عمله بين الحظ وبين الالتفات إلى الامتثال، ليس له من هذا المقام إلا بمقدار قلة مراعاة للحظ، وسيقول في آخر الفصل: "وأن المقاصد التابعة أقرب إلى عدم الإخلاص ولا أنفيه". "د".
٢ مضى "ص٢٤٠": "حُبِّبَ إليَّ من دنياكم الطيب والنساء"، وهو صحيح.
٣ مضى "١/ ١٨٥".
٤ مضى "١/ ١٨٥".
٥ مضى "١/ ١٨٥".
٦ كما أخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها فيما أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل ١/ ٥١٢-٥١٣/ رقم ٧٤٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>