من هذا التساؤ. وكان هو البادئ: ماذا نريد، وفرق بين أن ينتظر الداعي حتى يُسْأَلَ، وبين أن يتولى هو عرض السؤال ثم الإجابة عنه. لا أقل من توفير الوقت، والحيلولة دون أن تتشعب التساؤلات.
رافقتُ الإمام الشهيد في رحلة الصعيد، واستمعت إليه في عدة محاضرات، فما رأيته كرر كلامًا بلفظه، كان يتصرف في التعبير ولا يتصرف في المعاني، يصوغ الشكل في القالب المناسب، مع المحافظة التامة على الجوهر، كان يستمع إليه - في وق واحد - المثقف ثقافة عالية، والمثقف ثقافة متوسطة، والعامل، والصانع، والفلاح، والمتحضر، والريفي، وكانت له قدرة عجيبة على أن يبلغ كلامه هؤلاء جميعًا، ويصل إلى عقولهم وقلوبهم جميعًا.
وهبطنا إلى بلدة «مشطا» مسقط رأس الأستاذ مختار عبد العليم المحامي بالإسكندرية. وكان لا بد أن يحاضر في فلاحي هذه القرية الكبيرة، الذين سمعوا بالرجل ولم يروه. وهرعوا من حقولهم وأكواخهم، والرغبة في مشاهدة الرجل أكبر من الرغبة في الاستماع إليه، وسرحت لحظات أفكر: ماذا يقول الرجل لهؤلاء الناس؟ إنهم بسطاء تعودوا - في سهرات رمضان - أن يصغوا إلى حامل الربابة يقص عليهم قصص سيف بن ذي يزن، وأبي زيد الهلالي، والزناتي خليفة، وسرعان ما زالت حيرتي، استطاع الرجل أن يسيطر