وقد يضرط العير والمكواة في النار، ثم قال أبو حمران: لنا الزيت والزيتون، ولنا عروسا الدنيا غزّة وعسقلان، ومدينة دمشق وهي إرم ذات العماد، ولنا الأرض المقدّسة، وفي بلادنا الجبل الذي كلّم الله عزّ وجلّ عليه موسى (عليه السلام) ، وجبل لبنان من جبالنا، وبيت المقدس من بلادنا، ولنا المدن العجيبة والكور الشريفة مثل: طرسوس والمصّيصة، وملطية، والرملة، وفلسطين، وأنطاكية، وحلب، وصور، وصيدا، وطبريّة، والكرمة أفضل الأشجار والعنب سيّد الثمار، وهي ناعمة الورق، ناضرة الخضرة، غريبة تقطيع الورقة، بديعة الزوايا، مليحة الحروف، حسنة المقادير، كأنما قوّرت من سرقة حرير، واستخرجت من ثوب نسيج، كثيفة الظلّ خفيفة الفيء، لدنة الأغصان، ليّنة الأفنان، خضرة الأطراف، كريمة الأخلاق، سلسلة القياد، رفيعة جوهر الأعواد، لذيذة الجنى، قريبة المجتنى، صغيرة العجمة، رقيقة الجلدة، عذبة المذاق، سهلة المزدرد، كثيرة الماء، فاضلة المخبر على المنظر، شريفة العنصر والجوهر، وكلام كثير لم يستدرك، ثم لا يألف الغربان الناعقات الكرم كإلفها النخل، ولا يعشّش في جوانبها العصافير المؤذية بصيلانة أصواتها عند غناء النّغران وورق العيدان كتعشيشها في الأدقال وأصول الكرانيف والأكراب، ولا يتولّد منها من ضخام الدود وسمجة الحشرات والهوامّ ما يتولّد من الليف، ولا يستكنّ في أثنائه من الذرّ والفراش، ولا يتحصّن فيها من الحيّات والعقارب وعظام العناكب وذوات السموم القاتلة ما يتحصّن في رؤوس النخل، فهذا على هذا والنخل تخلف وتحيل، ولم نر كرمه حالت ولا أخلفت، واسم الكرم مشتقّ من الكرم والكرامة والإكرام والتكرّم، وقد قدّم الله جلّ وعزّ ذكره في كتابه على سائر الأشياء فقال جلّ وعزّ: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ
فقدّم ذكر الكرم وجعل النخل نداء للزرع، ولله أن يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وقال جلّ وعزّ: