الغلمان وغيرهم من الجند يبشرون بالسلامة وأخذوا بعضدي ينهضوني من سجدتي ويقولون: انظر، انظر أيها الأمير. ٢/١٨٠ فرفعت رأسي وإذا السحابة قد زالت عن عسكري وقصدت عسكر الترك تمطر عليهم بردا عظاما. وإذا هم يموجون وقد نفرت دوابهم وتقلعت خيمهم وما تقع بردة على واحد منهم إلّا أوهنته أو قتلته.
فقال أصحابي: نحمل عليهم. فقلت: لا، لأن عذاب الله أدهى وأمر، فلم يفلت منهم إلّا القليل وتركوا عسكرهم بجميع ما فيه وهربوا. فلما كان من الغد جئنا [١٧١ ب] إلى عسكرهم فوجدنا فيه من الغنائم ما لا يوصف. فحملنا جميع ذلك وحمدنا الله على السلامة وعلمنا أنه هو الذي سهّل لنا ذلك وملكنا إياه والحمد لله رب العالمين.
[ذكر بعض مدن الأتراك وعجائبها]
قال سعيد بن الحسن السمرقندي: منهم بادية يحلون ويرتحلون وينتجعون الغيث ويتبعون الكلأ كما تفعل البوادي في بلد الإسلام. وهم لا يدينون لملك ولا يعطون طاعة لأحد. يغير بعضهم على بعض فيسبون الحرم والذراري وربما فارق القوم منهم الحيّ الذي كانوا فيه وصاروا إلى حي آخر ومعهم من حرم أهل ذلك الحي الذين قد صاروا إليه وأولادهم قد استعبدوهم فلا يطالبونهم بهم، وهم ينظرون إليهم عبيدا لهم سنّة فيهم وشيء قد اصطلحوا عليه.
ولهم مدن كثيرة في بعضها تجار وأموال وفي جميعها أسواق.
فمنها مدينة التغزغز وهي أكبر مدائنهم وأحصنها ولها سور عظيم مبني بالصخر وله خندق دائر به، فيه ماء غزير، وأهلها لهم شدة وإقدام في الحرب وأكثر سلاحهم السيوف.
ومن مدنهم أيضا مدينة يقال لها حيوس «١» تقرب من الشاش وهي كبيرة أيضا وأهلها بغير دين وهم شرار خلق الله يغير بعضهم على بعض ويقتل أقدرهم