ترى الطير في جوّ السماء معلّقا ... من البرد ممنوعا من الطيران
وتجمد بين الحائطين كلابهم ... وكانت تباري الخيل يوم رهان
وليس يقي من بردها جلد ثعلب ... بخوارزم مدبوغ بغير تواني
ولا جلد سمّور ولا الفنك الذي ... يوقّى به المقرور حرّ عمان
وليس يقيهم منه لفح جهنّم ... وما لهم بالزمهرير يدان
أما مهربا من ذا العذار فقد وهت ... عظامي ولا تشعر به القدمان
إلى الكرج الحسناء دار أميرنا ... فنوسعها حمدا بكلّ لسان
مباركة حفّت بخصب ونعمة ... بماء عيون عذبة وجنان
فأهل التقى والبرّ والفضل أهلها ... وليس لهم في المشرقين مدان
[ذكر حب الأوطان]
ولولا اختلاف شهوات الناس لما اختاروا من الأسماء إلّا أحسنها ومن البلدان إلّا أغذاها ومن الأمصار إلّا أوسطها.
ولو كانوا كذلك لتناحروا على البلدان الغذية ولتقاتلوا على الأمصار المتوسطة، ولما وسعتهم بلاد ولا تمّ بينهم صلح.
٢/٦٤ إلّا أن رضاهم بأوطانهم، واغتباطهم بمساقط رؤوسهم مانع لهم. والقناعة ببلدانهم وإن كانت الطبيعة مجبولة عليه. وكيف لا يكونون كذلك وأنت لو حوّلت ساكني الآجام إلى الفيافي، وساكني السهل إلى الجبال، وساكني الجبال إلى السهل والبحار، وساكني أهل العمد إلى المدر، لأذاب قلوبهم وأخنى عليهم فرط النزاع. بل لو نقلت أهل القفار إلى العمران وحوّلت من في جزائر البحار إلى المدن، لم تجدهم راضين بذلك ولا قانعين. بل كنت تجدهم يحنون إلى أوطانهم ويتذكرون بلدانهم.
وقد قيل في الأمثال: عمّر الله البلدان بحب الأوطان الرجال.
وقال عبد الله بن الزبير: ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم.