وقال معاوية في قوم من أهل اليمن رجعوا إلى بلادهم بعد أن أنزلهم من الشام منزلا خصبا وفرض لهم في شرف العطاء: هؤلاء ()«١» أوطانهم بقطيعة أنفسهم.
وقد قال الله تعالى «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ
» . فقرن الضنّ منهم بالأوطان إلى الضن [١٢٠ ب] منهم بالأنفس.
وزوّجت أعرابية في الحضر وأسكنت قصرا. فحنّت إلى البدو وقالت:
للبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشفوف
وبيت تخفق الأرواح فيه ... أحبّ إليّ من قصر منيف
وبكر تتبع الأضعان نضو ... أحبّ إليّ من بغل رؤوف
وكلب ينيح الأضياف ليلا ... أحبّ إليّ من ديك عيوف
وبناحية الجنوب جزيرة يقال لها تاران، ينزلها قوم يقال لهم بنو خدّان «٢» ، معاشهم صيد السمك وليس لهم ماء عذب ولا زرع ولا شجر. وبيوتهم من السفن المنكسرة وعظام السمك. يستطعمون الخبز ويستعذبون الماء ممن يجتاز بهم في الدهر الطويل. وربما أقاموا السنين الكثيرة لا يمرّ بهم إنسان. فإذا قيل لهم: أي شيء مقامكم في هذا البلد؟ قالوا: اليطن، اليطن، يريدون الوطن.
وكذلك قالوا: من لطف النفس أن تكون ٢/٦٥ إلى مولدها مشتاقة وإلى مسقط رأسها تواقة.
وقال بعض الحكماء: حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك. إذ كان غذاؤك منهما وغذاؤهما منه.