حبيب: فجمع نوح مشايخ البلد ومسلمي الترك فسألهم عن الأمر فلم يختلفوا في أنه حق إلّا أنهم لم يعرفوا العلة فيه.
قال أبو العباس: فسمعت إسماعيل بن أحمد أمير خراسان يقول: غزوت الترك في بعض السنين في نحو عشرين ألف رجل من المسلمين فخرج إليّ منهم نحو ستين ألفا في السلاح الشاك فواقعتهم أياما. فإني يوما في قتالهم إذ اجتمع إليّ خلق من غلمان الأتراك وغيرهم من الأتراك المستأمنة فقالوا لي: إن لنا في عسكر الكفرة قرابات وإخوان قد أنذرونا وخوفونا بموافاة [١٧١ أ] فلان- قال: وكان هذا الذي ذكروا عندهم كالكاهن وكانوا يزعمون أنه ينشئ سحاب البرد والثلج وغير ذلك فيقصد بها من يريد إهلاكهم- وقالوا: قد عزم أن يمطر عسكرنا بردا عظاما لا تصيب البردة إنسانا إلّا قتلته. فانتهرتهم وقلت لهم: ما خرج الكفر من قلوبكم بعد، وهل يستطيع هذا أحد من البشر؟ قالوا: قد أنذرناك وأنت أعلم والموعد غداة [غد]«١» عند ارتفاع النهار.
قال: فلما كان من الغد وارتفع النهار نشأت سحابة عظيمة هائلة من رأس جبل كنت مستندا بعسكري إليه. ثم لم تزل تنتشر ويزيد أمرها حتى أظلت عسكري كله. فهالني سوادها ومما رأيت منها وما سمعت فيها من الأصوات الهائلة، وعلمت أنها فتنة فنزلت عن دابتي وصليت ركعتين وأهل العسكر يموج بعضهم في بعض لا يشكّون في البلاء. فدعوت الله عزّ وجلّ وعفّرت وجهي في التراب وقلت: اللهم أغثنا إن عبادك يضعفون عن محنتك، وأنا أعلم أن القدرة لك وانه لا يملك الضر والنفع إلّا أنت، إن هذه السحابة إن مطرت علينا كانت فتنة للمسلمين وسطوة للمشركين. فاصرف عنا شرها بحولك وقوتك يا ذا الحول والقوة.
قال: فأكثرت [الدعاء]«٢» ووجهي في التراب رغبة ورهبة إلى الله وعلما أنه لا يأتي الخير إلّا من عنده ولا يصرف السوء غيره. فبينا أنا كذلك إذ تبادر إليّ