للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خرق حرير، فهي هذه بعينها، وو الله لوددت أن نفسي تطيب بالخروج من ملكي وأكون عبدا لأشرككم ملكه، ولكن نفسي لا تطيب ثم أجازنا وأحسن جائزتنا وسرّحنا.

قال: ولمّا دخل أنوشروان أرض الروم وخرج منها فقد بها رجلا من متطبّبيه يسمّونه الزرسبيذ، فاشتدّ على أنوشروان ذلك، وغبر الرجل بأرض الروم سنين، حتى عرف كلامهم، وقرأ كتبهم، وعظم شأنه، فلمّا أحكم ما يريد انصرف إلى أنوشروان، فعظّم موقعه لما رجا أن يجده عنده ما يحبّ أن يعرف من حال الروم، فخلا به فسأله عن شدّة ما رأى من بأس القوم ونجدتهم، فقال الزرسبيذ: إنّا لم نزل نسمع من الملك أن النجدة قسم شريف، وقد يجمع قسمه أقساما لا تتمّ إلّا بها، وأنه لا يستحقّ أحد اسم البأس والشدّة إلّا بما يشيّعه من الصبر الذي به يحتمل الإخطار بالنفس، والأنفة التي بها يقدم على ما أقدم به، وحسن الذكر والبصيرة الذي هو ملاك ذلك كلّه، ورباطة الجأش التي بها يوطّن على ما ناله من إحراز المكرمة وحسن الثناء، وقلّ من رأيته فيهم ممن يستحقّ هذه الصفة، وذلك لمخالفتهم دينهم الذي يدينون به.

قال: فكيف حظّهم من العلم؟ فوصفهم بقلّته وزعم أن مفتخرهم إنما يفتخر بكتب الفلاسفة في المنطق، وإنما هي غايتهم، قال: فأين مبلغهم من الطبّ؟ قال:

أما الطبّ فمعرفتهم بالطبائع، والجواهر، وعلاج الحرارة والبرودة، وفضول المرّة والبلغم، بالعقاقير المسمّاة لهم، لا يعرفون غير ذلك ممّا بسط لأهل الهند من علاج الأرواح، والأدواء الغليظة، والرقى، والاستعانة ببعض الأرواح على بعض، قال: فالنجوم؟ قال: قلّ حظّهم منه جدّا، قال كسرى: فما بلغك فيما يدّعيه بعضهم من صنعة الذهب والفضّة، وعن الأصباغ التي يصبغ بها الجوهر، فينقل إلى غير طبائعه، وما حكي لنا عن طلسماتهم؟ قال: كان ذلك من أهمّ أمورهم عندي أن أظفر به، فلم أجد لشيء من ذلك حقيقة، فأما الطلسمات فإنها أمور قديمة، كان على الأرض من قوى بشيء لشيء قد ألّف من الكلام والرقى والعقد على تماثيل قد رأيتها بها، ممّا تقادم عمله في الأزمنة الماضية قبل مخرج عيسى

<<  <   >  >>