نريد البصرة. فلما صرنا [٦٩ أ] إلى موضع بغداد،- وليس هناك إلّا نخل وقرى ودير في موضع العتيقة، وآخر يقابله من موضع الدعالجة والباقي صحراء- وهناك راهب في صومعة. فدنوت منه وحادثته ساعة ثم قلت له: يا راهب! ما أرى لك هاهنا زرعا ولا ضرعا. فضحك ثم قال: أخبرني أبي عن جدي- وكان عالما بالكتب القديمة- ان ملك بني أمية زائل عنهم برجل يخرج من خراسان مجهول النسب، معه خلق قد سوّدوا ثيابهم. فإذا أزالوا سلطان بني أمية دفعوا الملك إلى رجل من بني العباس فيملكه عدة سنين ثم يهلك، ويقوم آخر مكانه فيبني هاهنا مدينة لا يكون على الأرض مثلها في كثرة الأموال والناس والأسواق. فضحكت تعجبا منه. فقال: لا تضحك، فإن عمرت رأيت. فما متّ حتى رأيت ما قاله لي.
وقال العتبي «١» : حدثني رجل من أهل البصرة قال: اجتزت في بعض شوارع بغداد يوما في السحر وقد اشتبكت أصوات المؤذنين فأعجبني ذلك وحمدت الله عليه. فإذا هاتف يهتف بي ويقول: ما الذي يعجبك من مدينة فجر الليلة فيها سبعون ألفا، وافتض من ذلك عشرة آلاف فرج حرام.
وقال إبراهيم بن عيينة: كنت مع قيس بن الربيع ببغداد، فلما انتهينا إلى باب البصرة وجزنا القنطرة قال: هذا المكان الذي يخسف به وهو ناحية دور الصحابة وما والى ذلك.
وكان الفضيل بن عياض إذا ذكرت عنده بغداد، قال: أما أسواقها فكافرة وأما أسواقها فلاعنة.
وقال بشر بن الحارث: جاء أبو جعفر إلى هذه البلدة فخطر عليها. وجاء بآبائنا فأسكنهم فيها. وكانوا لا يعلمون. ثم نشأ الأبناء فسألوا وفتشوا ودققوا النظر ثم أقاموا فيها مثلهم كمثل الذين قالوا: إنّا وجدنا آباءنا على أمة. وإن أراد ربك أن