وكان الكلدانيون جنودهم. فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل دار آخر ملوكهم.
ثم قتل منهم خلقا فذلّوا وانقطع ملكهم.
وذكر ابن الكلبي: ان مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك. وكان بابها مما يلي الكوفة. وكان الفرات يجري ببابل حتى صرفه بخت نصر إلى موضعه الآن مخافة أن يهدم عليه سور المدينة لأنه كان يجري معه.
قال: ومدينة بابل بناها بيوراسب واشتق اسمها من اسم المشتري. لأن بابل باللسان البابلي الأول اسم للمشتري. ولما بناها جمع فيها كل من قدر عليه من العلماء وبنى لهم اثني عشر قصرا على عدد [٧٧ ب] البروج وسماها بأسمائهم.
فلم تزل عامرة حتى خرج الإسكندر فأخربها.
وقال الله عزّ وجلّ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ
. فروي عن الأعمش قال: كان مجاهد لا يسمع بشيء من الأعاجيب إلّا مضى حتى ينظر إليه. وانه صار إلى حضرموت حتى نظر إلى بئر برهوت، وأتى بابل فلقيه رجل من رؤساء أهلها كان عارفا به. فلما لقيه أكبره وقال له: أبا الحجاج ما تصنع هاهنا؟
قال حاجة لي إلى رأس الجالوت، أحب أن تدخلني إليه وتعرّفه من أنا. فأدخله إليه وعرّفه محلّه وموضعه وقال: له حاجة إليك. قال وما حاجتك؟ قال: تأمر بعض اليهود أن يريني هاروت وماروت. فامتنع عليه طويلا ثم قال له: أخشى أن لا تتماسك. قال: أرجو أن لا يكون إلّا ما تحب. فأرسل إلى رجل من اليهود فقال: اذهب بهذا فأدخله إلى هاروت وماروت. فقال له اليهودي: كيف تجد قلبك؟ قال: ما شئت. فانطلق به إلى مكان غامض في الصحراء، وإذا صخرة عظيمة. فتكلم عليها كلاما ذكر أنه من التوراة، فأقبلت تهتز. ثم رفعها وأزالها عن مكانها. وكانت لا يقلّها مائة رجل. وإذا تحتها شبيه بالسرب. فقال له اليهودي:
تعلق بي وانظر أن لا تذكر الله. فنزل معه مجاهد، فلم يزل يهوي به حتى صارا إلى فضاء عظيم. وإذا هما مثل الجبلين العظيمين، منكوسان على رؤوسهما وعليهما الحديد من أعناقهما إلى أقدامهما مصفدين. فلما رآهما مجاهد لم يملك نفسه أن ذكر الله عزّ وجلّ. فاضطربا اضطرابا شديدا حتى كادا أن يقطعا ما عليهما من