وما زالت السدنة تحتال للناس من جهة النيران بأنواع الحيل كاحتيال رهبان كنيسة القيامة ببيت المقدس بقولهم إنهم في بعض الأعياد يطفئون سائر القناديل التي في البيعة، وإن نارا تنزل من السماء حتى تلهب قنديلا قد جعلوه لذلك، وإن النار التي تلهبه تكون مضيئة ليست لها حرارة، فكلما ألهب منها قنديل آخر أخذت في الاحمرار والحرارة حتى تعود إلى الطبع.
وكما قالت المجوس في آذر جوي وشق حين بنوا الكانون على قيّارة ونفّاطة.
ونيران أخر منها: نار البرق ونار الحباحب وهي اليراعة. واليراعة دودة خضراء تكون في آخر الربيع تطير بالليل كأنها شرارة نار، فإن أخذها آخذ وجعلها في يده ونظر إليها [كانت]«١» كأنها نار. وأهل القرى يجعلونها على جباههم يلعبون بذلك. وهي بالنهار دودة خضراء.
ويقال إن بطلا أراد السلطان معاقبته، فأقامه في ماء بعض النهار [١٢٩ ب] وكانت ليلة باردة كثيرة الثلج. فنظر إلى مصباح في القرية فوضع عينيه عليه، ولم يزل في الحياة حتى خمد المصباح. فلما خمد المصباح مات الرجل من وقته، وكانت حياته بنظره إلى النار.
وذكر الله عزّ وجلّ فضل النار في عدة مواضع من كتابه، من ذلك قوله الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ
. فجعلها أعظم من الماعون معونة وأخفها مؤونة. والماعون الأكبر الماء والنار ثم الكلأ والملح.
والوجه الآخر من الامتنان بالنار قوله يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ ...
الآية. وليس يريد أن إحراق العباد بالنار من والآية ونعمائه، ولكن أراد بالوعيد الصادق، إذ كان في غاية الزجر فهو من النعم السابغة والآلاء العظام.
وكذلك القول في خلق جهنم إنه نعمة عظيمة ومنّة جليلة، إذ كان زاجرا عن نفسه ناهيا، وإلى الجنة داعيا.