للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهم قتلوا كسرى بن قباذ بن هرمزد.

فهذه حال خراسان قبل الإسلام. ثم أتى الله بالإسلام فكانوا فيه أحسن الأمم رغبة وأشدهم إليه مسارعة منّا من الله عليهم وتفضلا وإحسانا منه عليهم. فأسلموا طوعا ودخلوا فيه أفواجا وصالحوا عن بلادهم صلحا. فخفّ خراجهم وقلّت نوائبهم، ولم يجر عليهم سباء ولم يسقط فيما بينهم وبين المسلمين دم.

ولما رأى الله عزّ وجلّ سيرة بني أمية بعد عمر بن عبد العزيز وظلمهم العباد وإخرابهم البلاد واستئثارهم بالفيء، وعكوفهم على المعازف والملاهي واللذات، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم فيما قلّدهم، ابتعث جلودا من أهل خراسان جمعهم من أقطارها كما يجمع قزع الخريف وألبسهم الهيبة ونزع من قلوبهم الرحمة، فساروا نحوهم كقطع الليل المظلم قد اتخذوا لبس السواد وأطالوا الشعور وشدّوا المآزر دون النساء حتى انتزعوا ملك بني أمية من أكبر ملوكهم سنا، وأشدّهم حنكة، وأحزمهم رأيا، وأكثرهم عدة وعديدا، وأعقلهم كاتبا ووزيرا، ٢/١٦٢ وسلموه إلى بني العباس.

وقد كان محمد بن علي بن عبد الله بن العباس قال لدعاته حين أراد توجيههم إلى الأمصار «١» : أمّا الكوفة وسوادها، هناك شيعة علي وولده. وأما البصرة فعثمانية تدين بالكفّ. [تقول كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل] «٢» . وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون في أخلاق النصارى. وأما أهل الشام فليس يعرفون إلّا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان وعداوة راسخة وجهل متراكم.

وأمّا مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. ولكن عليكم بأهل خراسان، فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر وهناك [١٥٥ ب] صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء ولم تتوزعها النحل ولم يقدم عليها فساد

<<  <   >  >>