وبدأ هذا الصحفي يفكر من أين يبدأ وفي هذا الوقت المتأخر من الليل.
كانت الساعة إذ ذاك توشك أن تقترب من العاشرة مساء، ورئيس الوزراء -المرحوم حسين سري باشا- كان قد اعتاد أن يأوي إلى فراشه في منتصف العاشرة، ثم هو مع هذا اعتاد ألا يتحدث إلى الصحفيين، بل كانت هناك شبه خصومة بينه وبين الصحافة.
وكان السفير البريطاني في رحلة صيد خارج القاهرة، ورئيس الديوان الملكي ليس في منزلة، أو هكذا قيل للمندوب السياسي.
وفجأة طرأت له فكرة وهو يرتدي ملابسه باحثا عن نقطة البداية. وإذا كانت هناك أزمة، فلا يعقل أن يكون رئيس الوزراء قد نام فعلا، فلماذا لا يتجه إلى منزله؟ أو بمعنى آخر لماذا لا يحاول؟
واستقل سيارته، واقترب من بيت رئيس الوزراء، فوجد الأنوار كلها. مطفأة! أو لعل الستائر كانت تخفي الأضواء داخل المنزل، ووقف يفكر قليلا، وكاد أن يمضي بسيارته إلى "المجهول" لولا أن لمح من على بعد سيارة قادمة في اتجاه منزل رئيس الوزراء. لقد كانت سيارة السفير البريطاني الرولز رويس، المميزة بلونها الأصفر، ووقفت السيارة عند الباب، ونزل منها السفير البريطاني لورد كيلرن بقامته الضخمة وأسرع إلى داخل البيت، ولمح الصحفي المصري على الباب رئيس الوزراء وهو يستقبله. وتنصرف بعد ذلك سيارة السفير، ويعود الهدوء إلى المكان في لحظة.
كل هذا لم يستغرق أكثر من دقيقة، ومع هذا فقد كانت دقيقة غالية الثمن، وأطفأ الصحفي نور سيارته، ووقف إلى مكان قريب من المنزل يراقب.
ومضى الوقت حتى اقتربت الساعة من منتصف الليل، وكان الصحفي يتصور رئيس التحرير وهو ينتظره في مكتبه أو يبحث عنه في كل مكان. ولكنه مع هذا فضل أن ينتظر. لقد كان موقنا أن انتظاره لن يذهب سدى لإحساسه الجازم بأن هناك أزمة فعلا. وأن عناصر هذه الأزمة موجودة في هذا الاجتماع.