عصر النهضة التي تجاوب معها القراء؟ وهل كان الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد، ومصطفى كامل صاحب اللواء، وأحمد لطفي السيد محرر الجريدة، ومحمد حسين هيكل محرر السياسة، وعبد القادر حمزة صاحب البلاغ وغيرهم أن يحرروا أسلوب فن المقال، لولا أن البيئة نفسها كانت مواتية للنهضة، ومهيأة لمعالجة الموضوعات السياسية والاجتماعية الجديدة، لما يغمرها من تيارات فكرية إسلامية وأوروبية وشرقية ومصرية؟
وهل كان مونتاني وحده يستطيع استعمال أسلوب اللغة القومية بدلا من اللاتينية، لولا أن هذه الحركة كانت أهم مميزات عصر النهضة الذي عاش فيه وهو عصر ظهور القوميات؟ وقد جاء عزوف الكتاب المصريين عن الأسلوب التقليدي متوافقا مع ظهور القومية المصرية التي تحدث عنها أحمد لطفي السيد بقوة وإقناع في "الجريدة" كما كان الاحتلال البريطاني نفسه دافعا قويا للتمسك بالقومية.
ثالثا: تعد النزعة العقلية من المميزات الأساسية لمقالات مونتاني، وسمة تميز فن المقال بوجه عام عن غيره من طرز الأدب الأخرى، والمقال اتجاه فكري أو وثبة ذهنية -كما يقول الدكتور جونصون- تعبر عن رأي صاحبها. والمعروف أن حركة العقلانية، والعزوف عن التفسير الديني أو الغيبي للحقائق والمشكلات، كانت أهم خصائص عصر النهضة الأوروبية، كما كانت أيضا أهم خصائص عصر التنوير في مصر، وقد قادها على الصعيد الأدبي الدكتور طه حسين وعلى الصعيد الاجتماعي قاسم أمين والشيخ محمد عبده نفسه، وعلى الصعيد السياسي أحمد لطفي السيد، وترددت هذه الاتجاهات العقلانية في جريدة "السياسة" بصورة رائعة.