للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليكم، أيها الأصدقاء، عن نفسي دون تكلف١، فنغمة المساواة التي تصطنعها الصحافة الحديثة في اليوميات وفي المقالات بعنوان "تعال معي" إنما تضرب بجذورها في القرن السادس عشر الذي عاش فيه مونتاني٢.

ثانيا: غير أن التحدث عن النفس أو الكتابة الذاتية، تستلزم في الواقع أسلوبا خاصا يتناسب معه، ويمتاز بالمرونة واليسر والبساطة وعدم التكلف لكي يعبر عن روح الألفة ونغمة المساواة، وعلى العكس من ذلك نجد أن مؤلفات القدماء من أمثال شيشرون وهوارس وبترارك، وحتى مذكرات أرازموس الهولندي قد كتبت باللغة اللاتينية، مما أفسد أهم مميزات المقال وهي صفة "العادية" أو الألفة وعدم التكلف.

ومن هنا كان مونتاني الرائد الأول لفن المقال لأنه أول من حطم الحاجز السميك بينه وبين القارئ، في المضمون والأسلوب على السواء، فاستطاع أن يعبر عن نفسه، وأن يعرض على القارئ أحاسيسة ومشاعره بصراحة ساخرة، متحدثا في موضوعات جذابة شائقة ومغامرات خاصة به، بأسلوب سلس مباشر، عادي صادق التعبير، لا تثقل فيه الزخرفة أو التنميق. وذلك يذكرنا بتطور فن المقال المصري الذي أخذ يتخلص من النشر التقليدي المحبوس في أورقة الأزهر، والموشى بالمحسنات اللفظية والبديعية، والموشح بالأشعار والحكم والأمثال، لكي ينطلق من الزخرف إلى العبارة الدالة، ومن أسار الموضوعات التقليدية إلى رحابة الموضوعات السياسية والاجتماعية العامة.

وهل كان مونتاني يستطيع الوصول وحده إلى فكرة التعبير الذاتي واحترام الفردية ونغمة الألفة وأسلوب الدعابة والخفة لولا أن هذه جميعا كانت صفات


١ يبدأ مونتاني مقاله عن الحزن بقوله:
je suis de plus exempte de cette passion.
de la tristesse, chapter ٢, book ١.
٢ l. magnus. a. history of europian literature "١٩٣٤" p.١٢٨.

<<  <   >  >>