أن تكون حكما عاما. فهو يرى -مثلا- أن الحرب نافعة ومفيدة لأنها تقوي روح الشجاعة والإقدام، وتنمي ملكات الناس وخصالهم. ويقول إنه يكفي مجرد الخوف من تسلط دولة على دولة لقيام الحرب بينهما، قبل إعلانها فعلا. وهو يرى أن غير المتزوجين هم أحسن الأصدقاء، كما أنهم خير السادة وأفضل الخدم، أما الزوجة والأولاد فأثقال ورهائن وأخطار. والبرلمانات -في نظره- هيئات استشارية، وليست حاكمة، وإذا حكم الملك وفقا للقانون، فهذا تنازل منه!
وتصطبغ هذه الآراء بصبغة الشخصية بلا شك، وإن كانت تعبر عن أحداث بعينها تعبيرا مباشرا، وتصور خبرات خاصة يرويها الكاتب للقارئ بطريقة المناجاة والإفضاء كما فعل مونتاني. ولعل السبب الذي جعل بيكون يكتب بطريقة العبارات المتناثرة هي رغبته في الابتعاد عن التكلف، أو أنه كان شديد العناية بأفكاره فكان يدونها كالمذكرات الخاصة، اعتقادا منه أنها دين عليه لا بد وأن يؤديه إلى الأجيال اللاحقة، فوجد في فن المقال قالبا صالحا لتسجيل أفكاره وخواطره، على نحو يشبه كثيرا تلك المذكرات الخاصة التي يكتبها الكاتب لنفسه، تعليقا على حادث خبره أو كتاب قرأه. ويقول ماكولي إن بيكون بلغ به الحرص على تدوين خواطره أنه أملى ذات يوم أطرف النكت التي يعرفها لأنه لم يكن ميالا للعمل الجدي بسبب مرضه، ولعل المقال الساخر -وخاصة في الصحافة- يضرب بجذوره العميقة حتى تلك الحقبة.