للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمونتاني. وليس أدل على ذلك من أن المقال الأول الذي كتبه بيكون "عن الحقيقة"١ يحتوي على نبذة منقولة عن مونتاني، كما أن مقاله الثاني "عن الموت٢ كان من أهم الموضوعات التي كتب عنها الفيلسوف الفرنسي مونتاني.

وسواء كان التأثير مباشرا عن طريق النهضة أو غير مباشرة عن طريق مونتاني فقد كان بيكون له طريقته الخاصة في الكتابة، فهو بفلسفته التجريبية، وعقليته العلمية، كان لا بد أن يتخذ لنفسه أسلوبا يختلف عن أسلوب مونتاني الفيلسوف النظري الشاك. وبيكون عالم موسوعي المعرفة يذكرنا بأرسطو وبالجاحظ. وقد وجد هذا الفيلسوف في فن المقال خير مجال للتعبير عن أفكاره وخواطره، وإن كان قد لونه بشخصيته، وشكله بمزاجه.

وشتان بين أسلوب مونتاني الذاتي الخاص وأسلوب بيكون الذي يقترب من الحكم المتناثرة التي لا رابط بينها إلا الموضوع نفسه. ولعل هذا هو السبب الذي حدا ببعض الباحثين المحدثين إلى الزعم بأن فقر التوراة كسفر الحكمة، وسفر النساء الفاضلات تعد مقالات، باعتبار أن مجموعة الحكم حول موضوع معين تكون مقالا. وهم يضربون بذلك أمثلة مما جاء في مقالات بيكون في كتابه الأول الصادر سنة ١٥٩٧، وخاصة مقاله عن "الدراسة"٣ وكتابه الثاني الصادر سنة ١٦٢٥، وخاصة مقاله "عن الشدائد"٤.

غير أننا نتفق مع هذا الرأي لأن حكم التوراة، وتلك الحكم التي أثرت عن العصر الجاهلي، لا يمكن أن تعد مقالات. وذلك أنه فضلا عن اختلاف الأسلوب فنحن نجد أن صفة الذاتية والتعبير عن وجهة نظر الكاتب الشخصية كإنسان يروي خبرة معينة خاصة به تنعدم في هذه الحكم ذات الصبغة العامة. وعلى العكس من ذلك نجد أن مقالات بيكون، بالرغم من تناثر العبارات، تعكس نفسية الكاتب وذاتيته، وتعبر في وضوح وجلاء عن أفكاره الانتهازية التي يستحيل


١ on truth.
٢ on death.
٣ of studies.
٤ of adversities.

<<  <   >  >>