للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحيث لا تخرج عن الموضوع خروجا تاما ولا تظل مرتبطة به دائما، وقد تعلمت هذه الطريقة من مونتاني.

وتعد مدرسة مونتاني تعبيرا صادقا عن فن المقال الأوروبي، ولها أتباع وتلاميذ حتى يومنا هذا. ولا شك أن الكاتب الإنجليزي إبراهام كاولي١ "١٦١٨-١٦٦٧" يتقن فن المقال على طريقة مونتاني الذاتية، فكتب مقاله وكأنه صديق يسر إلى صديق، ويضع عنوانا له "عن نفسي" وقد جاء فيه:

"أعترف أنني أحب كل شيء صغير. فالمزرعة الصغيرة ممتعة، والبيت الصغير بهيج والأصدقاء لا بد وأن يكونوا قلائل، والوليمة الصغيرة لطيفة. وإذا قدر لي أن أعشق مرة أخرى "ولكن الحب عاطفة كبرى وعلى ذلك فإنني أرجو أن أتخلص منها سريعا" فلن أعشق إلا خفة الظل، ولن أميل إلا إلى الجمال المتواضع، لا الجمال الفاتن الجبار. والحقيقة أنني أكره العظمة والشموخ ... ".

وما أقرب هذا الفن الذاتي الرشيق من فن كاتبنا المصري إبراهيم عبد القادر المازني "١٨٨٩-١٩٤٩"، وذلك الكاتب المتواضع، خفيف الروح، وحتى عناوين مقالاته وكتبه مثل: حصاد الهشيم، وخيوط العنكبوت، وصندوق الدنيا، وفي الطريق، وقبض الريح، ومن النافذة، وع الماشي، تنبئ بتلك الروح وتعبر عنها. مثال ذلك مقدمة لكتاب صندوق الدنيا التي يبدؤها بقوله: "إلى التي منها معدني، وإليها المآل.. إلى أمنا الأرض".

ويقترب فن المقال عند الدكتور طه حسين من فن مونتاني. "فمن الصفات التي أعانته على النجاح في ميدان الصحافة صفة السهولة في التعبير، والواقعية في التصوير، والإيناس في إجراء الحديث، حتى ليشعر القارئ لمقال من مقالات هذا الأديب أنه إنما يجلس إلى صديق من أصدقائه، ويستمع إلى بعض أخواته،


١ ABRAHAU COWLEY, ON MYSELF.

<<  <   >  >>