للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدور معه حيث يدور، ويدخل معه في شجون من الحديث لا يحب أن يصل إلى نهايتها"١.

وقد تلقفت الصحافة فن المقال الأدبي، واستثمرته كقالب جديد تصوغ فيه الأفكار، وتتخذ منه سلاحا ماضيا للنقد والتعقيب. وأداة فعالة للتوجيه والإرشاد. وقد أضافت مدرسة تصوير الشخصيات قوة جديدة إلى مدرستي مونتاني وبيكون، مستمدة من تحليل الشخصية وتصوير النماذج الإنسانية والاجتماعية تصويرا ساخرا فكها على طريقة ثيوفراست بأسلوب سلس جذاب، وحضور بديهة وقوة عارضة، ويذكرنا بكتابات الجاحظ في رسالة التربيع والتدوير التي أربت على خمسين صفحة من القطع الكبير، يصف فيها أحمد بن عبد الوهاب، وتفنن فيها الجاحظ ألوان كثيرة من التفنن في السخرية والنقد.

وقد نبغ في هذا الفن من كتابنا المحدثين إبراهيم المويلحي صاحب مصباح الشرق وعبد العزيز البشري في مجلة السياسة الأسبوعية، وفكري أباظة في مجلة المصور، وأحمد حافظ عوض في مجلة خيال الظل. يقول عبد العزيز البشري في وصف زيور باشا:

"الواقع أن زيور باشا رجل -إن صح التعبير- يمتاز عن سائر الناس في كل شيء. ولست أعني بامتيازه في شكله المهول طوله، ولا عرضه، ولا بعد مداه. فإن في الناس من أهم أبدن منه. وأبعد طولا، وأوفر لحما. إلا أن لكل منهم هيكلا واحدا. أما صاحبنا، فإذا اطلعت عليه أدركت -لأول وهلة- أنه مؤلف من عدة مخلوقات لا تدري كيف اتصلت، ولا كيف تعلق بعضها ببعض، ومنها ما يدور حول نفسه، ومنها ما يدور حول غيره، ومنها المتيبس المتحجر، ومنها المسترخي المترهل، وعلى كل حال لقد خرجت هضبة عالية مالت من شغافها إلى الأمام شعبة طويلة، أطل من فوقها على الوادي رأس فيه عينان زائغتان..".


١ عبد اللطيف حمزة، المدخل في فن التحرير الصحفي "١٩٥٦" ص١٨٥.

<<  <   >  >>