للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قاموس الفيروزآبادي، ولا تلزم مراجعة التاريخ، ولا نظر الجغرافيا، ولا تضطر لترجمان يعبر عن موضوعها، ولا شيخ يفسر معانيها، وإنما هي في مجلسك كصاحب يكلمك بما تعلم، وفي بيتك كخادم يطلب منك ما تقدر عليه، "ونديم" يسامرك بما تحب وتهوى، وما أقرب فهم النديم لفن المقال من فهم مونتاني وبيكون له!

لقد كان أسلوب الصحافة المصرية متأثرا بأسلوب الهمذاني في إيثار السجع القصير الفقرات وهي الطريقة التي سار عليها عبد الله فكري. غير أن معظم الصحف تردى أسلوب كتابتها إلى مستوى خفيض أذهل الشيخ محمد عبده ودفعه إلى إصلاحه. مثال ذلك هذا الخبر العادي الذي نشر في جريدة الأهرام سنة ١٨٧٧: "في صبيحة يوم الثلثا من هذا الأسبوع شبت النار شبوبا مرهبا بمينا البصل في مخزن "شونة" من مخازن الوجيه جبرائيل أفندي مخلع الأفخم استيجار جناب الخواجا لورانس الذي دعى فيه كمية من القطن. لكن المخزن والقطن تحت دائرة السيكورتاه".

ويتحدث الشيخ محمد عبده عن أساليب الكتابة التي ثار عليها فيقول: كانت أساليب الكتابة في مصر تنحصر في نوعين كلاهما يمجه الذوق وتنكره لغة العرب: الأول ما كان مستعملا في مصالح الحكومة وما يشبهها، وهو ضرب من ضروب التأليف بين الكلمات رث خبيث غير مفهوم ولا يمكن رده إلى لغة من لغات العالم لا في صورته ولا في مادته.. والنوع الثاني ما كان يستعمله الأدباء والمتخرجون من الجامع الأزهر، وهو ما كان يراعى فيه السجع وإن كان باردا وتلاحظ فيه الفواصل وأنواع الجناس وإن كان رديئا في الذوق بعيدا عن الفهم ثقيلا على السمع غير مؤد للمعنى المقصود ولا منطبق على آداب اللغة العربية. ثم ورد علينا في أخريات الأيام ضرب آخر من التعبير غريبا في بابه وهو ما جاءنا من الأقطار السورية في جريدتي الجنة والجنان المنشأتين بقلم المعلم بطرس البستاني.. وبه أنشئت جريدة الأهرام في مصر١.


١ محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، الجزء الأول "١٩٣١" ص١١، ١٢.

<<  <   >  >>