للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الأسلوب الصحافة الذي ثار عليه الشيخ محمد عبده فقد كان مزعجا حقا، فإذا ما رجعنا إلى افتتاحية العدد الأول من الوقائع المصرية وجدنا أنه عربي متترك تغلظ فيه ركاكة الترجمة الحرفية إلى درجة يمجها الذوق العربي، فإذا تجولنا بين أعداد الوقائع في عهودها الأولى وجدناها حافلة بالأخطاء اللغوية والنحوية مع ركاكة التأليف وتعثر الفكرة، حتى جاء رفاعة الطهطاوي، فألقي بعض الضوء في هذا الجو المظلم، وحتى صحيفة روضة المدارس -التي كتبت للمثقفين- كان أسلوبها ثقيلا متلبكا ركيكا، كما رأينا هذا الأسلوب نفسه في صحيفة وادي النيل -أول صحيفة شعبية تصدر في مصر.

ومن أسلوب الأهرام ما جاء سنة ١٨٧٨ تعليقا على السياسة الخارجية "مسألة شرقية وعقدة إبليسية عبث بها القلم زمنا فزادها تعقيدا فاعتيض عنها بالسيف. فيل يناظر سمكة وسمكة تباري فيلا. وكلاهما بعيدا مقرا.. ونحن بينهما هدف ترمي عليه أسهمهما فبئست حالنا"١.

والجريدة تقصد بالفيل روسيا، وتقصد بالسمكة إنجلترا، على نحو ما وصفهما بسمارك!

وقد رأينا أن الصحافة المصرية بدأت تتقدم أساليبها شيئا فشيئا منذ سنة ١٨٧٠ حيث بدأ التعليم ينتشر، والحضارة تزدهر، والعمران يتسع، والأسفار تكثر، والحياة تنتفض انتفاضة ثورية جديدة نحو التحرر. وبدأت ثمرات المفكرين من أمثال جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ثم أحمد لطفي السيد تؤتي أكلها، وكانت قمة الأسلوب الصحفي الحديث عند الشيخ علي يوسف في صحيفة المؤيد.

وقد وصف عبد الكريم سلمان -وهو المحرر الثاني للوقائع بعد الشيخ محمد عبده- طريقة التخلص من الأساليب العتيقة بقوله: "وأما من عود نفسه على الطريقة العتيقة "طريقة القافية والتسجيع" فليس له من دواء إلا مطالعة كتب التاريخ ووسائل الإنشاء "ومنها صحف الأخبار العربية الجيدة" فإنها حاسمة لدائه، نافعة في تقدمه وترقيه إلى أعلى الدرجات في هذا الفن الجليل".


١ الأهرام، عدد ٨٩ بتاريخ ١٢ إبريل سنة ١٨٧٨.

<<  <   >  >>