مشاعره. حقيقة أنه لا يمكن للفن الصحفي أن يكون له العمق والخلود اللذين يتصف بهما الفن بوجه عام، فليس هناك أقدم من جريدة الأمس، ولكن الفن الصحفي الناجح هو الذي يستطيع أن يعدل قيمة العالم تعديلا مؤقتا على الأقل؛ لأن الصحافة الجيدة تتخذ إطارا لها عالم الافتراضات اليومية الوتيرية، مؤكدة الوجه الدرامي، والاهتمام الإنساني، عن طريق أحداث عالم الحياة اليومية.
فالتقرير الصحفي الجيد هو في جوهره عملية خلق وابتكار، وهو كذلك كشف للمتناقضات التي توجد بين الصورة الظاهرية والواقع الفعلى. ولا شك أن الخداع والمغالطات التي تكتشف، كثيرا ما تؤدي إلى عملية تغيير القيم السائدة في المجتمع. ولكن ذلك يتطلب بطبيعة الحال نظرة جريئة وتعبيرا موضوعيا.
فالفن الصحفي تعبير موضوعي، وابتعاد تام عن الذاتية التي يتصف بها الأديب مثلا، فالأديب يعنى بنفسه، ويقدم لنا ما يجول بخاطره، ويسجل ما يراه وفقا لرؤيته الخاصة، وبرموز تنم عن ثقافته وعقليته. وهو في هذا الصنيع إنما يصف النفس الإنسانية، ويتعمق أسرارها، ويكشف عن حسناتها وسوآتها، ويكون لأوصافه صدى في نفوس القراء من كل جنس، وفي كل عصر، ما داموا قادرين على قراءته
وفهمه، والاستفادة منه. فالأديب حر في اختيار ما يقول، والقراء أحرار في قراءة ما يكتب الأديب.
ولكن الصحفي ملتزم بالموضوعية؛ لأنه يعكس مشاعر الجماعة وآرائها. وهو مقيد بمصلحة المجموع. وفي حرية الأديب وذاتيته، وتقيد الصحفي وموضوعيته يقول عبد القادر حمزة:"يجب أن يكون الصحفي حاضر البديهة. حاضر الجواب على كل ما يدعي لأن يكتب فيه، وهو في كل ذلك لا يختار -كما يفعل الأديب- بل الحوادث هي التي تختار له كل يوم ألوانا جديدة، وتدعوه إلى أن يتجه إليها، وينتهي به الأمر إلى أن يتسع أفق الأدب والعلم والخبرة عنده فيصبح وكأنه الموسوعة، بينما يكون الأديب بجانبه وكأنه كتاب في فن معين".
فإذا كانت الفيلسوف يبحث عن الحقيقة المجردة على المستوى المنطقي، كما يبحث الأديب عن الحقيقة الخالدة على المستوى الجمالي، فإن الصحفي فنان موضوعي