للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالهدف الأساسي للإخراج الفني هو الوصول إلى صفحة يسودها التوافق والانسجام١. فالعناصر الطباعية لا بد أن تنسجم لتكون صفحة متكاملة. ومع ذلك فإن المخرج الصحفي بحاجة إلى إبراز بعض العناصر كالأخبار والصور التي يرى أنها ذات قيمة أو خطر بحيث تستحق الإبراز٢. ويقوم هذا العنصر على أساس التباين في المساحة والدرجة والشكل واللون والفراغات البيضاء. فالمعروف أن العنوان أو الصورة الكبيرة تلفت الأنظار وخاصة إذا قيست بالنسبة للمساحة العامة للصفحة، كما أن الحروف السوداء والصور الداكنة تثير الانتباه أكثر من العناصر الطباعية العادية، وخاصة إذا كانت على أرضية بيضاء. وقد يكون العنوان هاما ومأخوذا من وثيقة خطيرة فيحاط بدائرة أو يوضع في إطار، وبذلك يلفت الأنظار عن بقية المواد. وقد رأينا أن الألوان تثير الانتباه بطبيعتها وخاصة إذا كانت زاهية، ومع ذلك فإن الإسراف في استعمالها لا يحقق الغرض المنشود.

والفراغ الأبيض في الصحيفة يشبه الصمت في الخطابة، فإذا أراد الخطيب أو المتحدث أن يلفت الأنظار صمت برهة ليسترعى انتباه الجمهور. والموسيقى أيضا تعتبر فترات الصمت جوهرية للغاية. وقد استغلت الإعلانات تلك الفراغات استغلالا مثيرا فاحتجزت مثلا صفحة كاملة بيضاء لإعلان واحد كتب في وسطه سطر واحد بحروف صغيرة تقول: "هذه الصفحة غسلت بصابون ... " ومع ذلك، فالإسراف في استعمال المساحات البيضاء مثل الإسراف في استخدام الألوان يفسر الإخراج من النواحي الفنية والنفسية معا. وقد دأبت بعض الصحف الحديثة على استغلال خصائص الإبراز والتأكيد، ظنا منها أن ذلك يساعد على جذب الأنظار وارتفاع التوزيع، ولكن الحقيقة أن المبالغة في الإبراز لا ينجم عنها إلا التشويش على القارئ. فالعناوين الضخمة، والألوان الكثيرة المتعددة، والإطارات المتناثرة، والمساحات الداكنة، تبدو كلها وكأنها صرخات مدوية تفزع القارئ وتمسخ القيم الفنية، فلا يبدو الإبراز تأكيدا، بل إن الصحف الهادئة أصبحت أكثر جاذبية ولفتا للنظر من الصحف الصاخبة!

والواقع أن تراثنا الصحفي الأصيل بعيد عن هذا الصخب الذي بدأ قبيل الحرب العالمية الثانية، عندما طبعت الأهرام جزءا من رأس صفحتها الأولى باللون الأحمر يوم ٧ يناير سنة ١٩٣١. وهناك أيضا الأرضية الحمراء الملونة للأهرام الثلاثة التي اتخذتها الجريدة شعارا لها سنة ١٩٣٣، كما اتخذت جريدة المصري العلم الأخضر شعارا لها منذ أكتوبر سنة ١٩٣٧. وبعد ذلك أخذت الصحافة المصرية تتبارى في إقحام الألوان بكثرة، وجربت الصور والرسوم ذات الألوان المتعددة، تمشيا مع الذوق البصري الذي خلفه عالم السينما والتليفزيون.


١ HARMONY.
٢ EMPHASIS.

<<  <   >  >>