وكان أبو عليٍّ يرى أن مذهب القائلين بالإبدال فيه ليس بسديد؛ لتباعد حروفه؛ فقد ذكر ابن جني رأي من قال: إنَّ (حَثْحَثَ) أصله: حثَّثَ؛ بإبدال الثاء الوسطى حاءً؛ بقوله:"وسألتُ أبا عليٍّ عن فساده؛ فقال: العلة في فساده أن أصل القلب في الحروف إنما هو فيما تقارب منها؛ وذلك: الدال والطاء والتاء، والذال والظاء والثاء، والهاء والهمزة، والميم والنون، وغير ذلك مما تداخلت مخارجه.
فأما الحاء فبعيدة من الثاء، وبينهما تفاوت يمنع قلب إحداهما إلى أختها؛ قال: وإنما حَثْحَثَ أصل رباعي، وحَثَّثَ أصل ثلاثي؛ وليس واحد منهما من لفظ صاحبه، إلاَّ أنّ حَثْحَثَ من مضاعف الأربعة، وحَثَّثَ من مضاعف الثلاثة، فلما تضارعا بالتضعيف الذي فيهما اشتبه على بعض الناس أمرهما؛ وهذا هو حقيقة مذهبنا ... هذا هو الصواب"١.
وقد تبنى ابنُ جني رأيَ البصريين ممثلاً في رأي شيخه الفارسي حتى أمسى من أشدِّ المتمسكين به، ومن أكثرهم ترديداً له في كثير من كتبه؛ كـ (المنصِفِ) و (سِرِّ صناعة الإعراب) و (الخصائص) و (المبهج في تفسير أسماء شعراء الحماسة) .
ومن ذلك قوله ردًّا على أبي إسحاق الزجاج، وهو بصري خرج عن جماعته في هذه المسألة: "وذهب أبو إسحاق في نحو: قَلْقَلَ، وصَلْصَلَ، وجَرْجَرَ، وقَرْقَرٍ، إلى أنه (فَعْفَلَ) وأن الكلمة لذلك ثلاثية ... وذهب إلى مذهب شاذٍ غريبٍ في أصلٍ منقادٍ عجيبٍ، ألا ترى