أسهم تداخل الأصول في نشاط النّقد المعجميّ إسهاماً بيِّناً، على امتداد ألف عامٍ أو يزيد؛ وتركّز ذلك في معاجم القافية بوجهٍ خاصّ، وانحصر جلّ نقد الأصول فيها؛ لشهرة هذه المدرسة؛ ولظهور أثر التّداخل فيها، أكثر من غيرها من المدارس.
وآية ذلك أنّ بعض معاجم القافية أثرت حركة التّأليف المعجميّ، بما دار فيها من نشاطٍ تأليفيٍّ؛ كالشّرح، والتذييل، والتّعليق، والاختصار، والنّقد، والدّفاع.
ويأتي (الصّحاح) للجوهريّ في طليعة هذه المعاجم، وهو يعدّ حجر الزّاوية في مدرسة القافية؛ ففيه ظهرت معالم هذه المدرسة في أبهى صورها، وعلى يدي مؤلّفه اكتملت معالمها، وأخذت وضعها النّهائيّ؛ الّذي سار عليه من أتى بعده؛ ليسر منهجه وسهولته.
ولعلّ ممّا ساعد على اشتهار هذا المعجم التزام مؤلّفه ما صحّ له من اللّغة؛ حتّى وصفه بعض العلماء بأنّه بمنزلة (صحيح البخاريّ) بالنّسبة إلى باقي الصّحاح، دون غيره من كتب اللّغة الصّحاح١ مع توسّطه بين الإطالة المملّة والاختصار المخلّ، فوجد فيه المرتاد بغيته؛ وخفَّ حمله على طلبة العلم، فتداولوه. فلا عجب أن يكون شغل العلماء وطلبة العلم في الأمصار؛ إذا قدم عالمٌ إلى بلدٍ سأله أهله عن (الصّحاح) كما صنع المصريّون مع ابن القطّاع، في أواخر القرن الخامس؛ بعد أن رأى صدق