المبحث الأوَّل: الشِّدياق في (الجاسوس على القاموس)
يُعدُّ أحمد فارس الشِّدياق من روّاد المعجم العربيِّ في العصر الحديث، ويُعدُّ كتابه (الجاسوس) أوسَعَ دراسة منظمة في النَّقد المعجمي قديماً وحديثاً، كان أُسُّهُ (القاموس المحيط) الذي غدا من أشهر المعاجم في العصور المتأخرة، وأكثرها تداولاً بين أبناء العربيَّة؛ فاتخذه الشِّدياق مثالاً لما في المعاجم العربيَّة من عيوب أو نقص، واتَّخذ من نقده وسيلة للإبانة عن حاجة العربية إلى معجم جديد منقَّح، سَهل التَّرتيب، مُبين عن سرِّ الوضع في اللغة. ولم يكن اهتمام الشِّدياق في كتابه مقصوراً على نقده (القاموس) بل تعدَّاه لجملة من النَّقدات المتفرقة الموجَّهة لـ (التهذيب) و (الصحاح) و (اللسان) وغيرها؛ فجاء كتابه ذخيرة غنية بالمعلومات عن (القاموس) وغيره، ومرجعاً لا غنى عنه في النقد المعجميِّ.
ويُمكن تلخيص الدَّوافع التي حملت الشِّدياق على تأليف (الجاسوس) في اثنين:
الأول: غَيْرَتُهُ على اللغة العربية، وحث أهلها على حُبِّها، والتمسك بها، والرَّدِّ على من يقول: إنَّ العربيَّة لم تعد قادرة على استيعاب ما استجد في هذا العصِّر١.