ومذهب القدامى في المضعَّف قويٌّ. ومن اليسير أن يستدلَّ على قوَّته ورجحانه بجملةٍ من الأدلّة؛ وهي تُضْعِفُ - في المقابل - مذهب هؤلاء المتأخِّرين.
وأحدُ تلك الأدلّة: جواز تضعيف الحرف الأوسط الصَّحيح قياساً من الفعل الثُّلاثيِّ؛ فيقال في (كَسَرَ) و (قَتَلَ) و (خَرَمَ) : (كَسَّرَ) و (قَتَّلَ) و (خَرَّمَ) .
ويقال - أيضاً - في نحو (عَدَّ) و (شَدَّ) و (مَدَّ) : (عَدَّدَ) و (شَدَّدَ) و (مَدَّدَ) فهو كالثُّلاثيِّ الصّحيح. فماذا يقولون في ذلك؟ هل يقولون: إنَّ الحرفَ الواحدَ المشدَّدَ؛ أطيلَ صوته وزمنه حتَّى غدا يماثل ثلاثة أحرفٍ، ثمَّ فُصِلَ ثُلُثُهُ، وهو الحرف الأخير؟ أو يقولون: إنَّ نصف الحرف المشدَّد في نحو (عَدَّ) هو الَّذي أطيل بالتَّشديد؛ فانفصل نصفه الثَّاني المتحرِّك؟ أو يقولون: إنَّ الدَّال الطَّويلةَ (المشدَّدَةَ) في (عَدَّ) بقيت على حالها؛ فاجتُلِبَتِ الدَّالُ الأخيرةُ اجتلاباً؟ أو يقولون: إنَّ (عَدَّ) فعلٌ و (عَدَّدَ) فعلٌ آخر مستقلٌّ بنفسه؛ ولا صلة بينهما؟ فيلزم -حينئذٍ- انتفاءُ العلاقة بين (كَسَرَ) و (كَسَّرَ) ونحوهما، وكُلُّ ذلك بعيدٌ.
وثانيها هو: إدغام تاء الافتعال في فاء الكلمة؛ كقولهم (اذَّكَرَ) و (اطَّلَبَ) و (اصَّبَرَ) ونحو ذلك؛ فيلزمهم أن يقولوا: إنَّ الذَّالَ والطَّاءَ والصَّادَ المضعَّفات كلٌّ منها حرف واحد، ولا يجوز ذلك؛ لأنَّ أصل (اذَّكَرَ) و (اطَّلَبَ) و (اصَّبَرَ) : (اذْتَكَرَ) و (اطْتَلَبَ) و (اصْتَبَرَ) قبل إبدال تاء الافتعال.