للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا التفريق لا يسلم من الاعتراض؛ لأن الإنسان الذي دون النبي مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإبلاغ الناس أمور دينهم، وعدم كتمان العلم. فكيف بالنبي الذي هو منبأ عن الله سبحانه وتعالى؛ لاشك أن مسؤوليته أعظم، وموقفه أخطر. وقد دلت النصوص على أن الأنبياء مأمورون بالإبلاغ؛ فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} ١، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد. "٢.

لذلك لم يرتض الشيخ الأمين –رحمه الله- هذا التعريف، وبين تعارضه مع النصوص، فقال في معرض الرد عليه موضحاً القول الحق في هذه المسألة: "وآية الحج هذه٣تبين أن ما اشتهر على ألسنة أهل العلم من أن النبي هو من أوحي إليه وحي ولم يؤمر بتبليغه، وأن الرسول هو النبي الذي أوحي إليه وأمر بتبليغ ما أوحي إليه: غير صحيح؛ لأن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} ٤يدل على أن كلاً منهما مرسل، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير. واستظهر بعضهم أن النبي الذي هو رسول أنزل إليه كتاب وشرع مستقل مع المعجزة التي ثبتت بها نبوته، وأن النبي المرسل الذي هو غير الرسول؛ هو من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله؛ كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة، كما بينه تعالى بقوله: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} ٥"٦.


١ سورة الحج، الآية [٥٢] .
٢ أخرجه البخاري في الصحيح ٧/١٩٩. ومسلم في الصحيح ١/١٩٩ عن ابن عباس رضي الله عنهما، واللفظ لمسلم.
٣ يعني قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} .
٤ سورة الحج، الآية [٥٢] .
٥ سورة المائدة، الآية [٤٤] .
٦ أضواء البيان ٥/٧٣٥. وانظر رحلة الحج ص ١٣٦-١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>