للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله: "لو فرضنا أنّ جبريا ناظر سنيا، فقال الجبري: حجتي لربي أن أقول: إني لست مستقلا بعمل، وإني لابدّ أن تنفذ فيّ مشيئته وإرادته على وفق العلم الأزلي، فأنا مجبور فكيف يعاقبني على أمر لاقدرة لي أن أحيد عنه؟

فإن السنيّ يقول له: كلّ الأسباب التي أعطاها للمهتدين أعطاها لك؛ جعل لك سمعا تسمع به، وبصرا تبصر به وعقلا تعقل به. وأرسل لك رسولا، وجعل لك اختيارا وقدرة، ولم يبق بعد ذلك إلا التوفيق، وهو ملكه المحض، إن أعطاه ففضل، وإن منعه فعدل؛ كما أشار له تعالى بقوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ١؛ يعني أنّ ملكه للتوفيق حجة بالغة على الخلق؛ فمن أعطيه ففضل، ومن منعه فعدل"٢.

وهذه الشبهة التي أوردها الشيخ الأمين -رحمه الله- وردّ عليها قد ردّ عليها غير واحد من السلف رحمهم الله بنحو ردّ الشيخ الأمين -رحمه الله-؛ منهم العلامة ابن القيم -رحمه الله- الذي قال يردّ على هذه الشبهة الجبرية: "فما احتج بالقدر على إبطال الأمر والنهي إلا من هو من أجهل الناس وأظلمهم وأتبعهم لهواه.

وتأمل قوله تعالى بعد حكايته عن أعدائه واحتجاجهم بمشيئته وقدره على إبطال ما أمرهم به رسوله، وأنه لولا محبته ورضاه به لما شاءه منهم: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ٣؛ فأخبر سبحانه أنّ الحجة له عليهم برسله وكتبه وبيان ما ينفعهم ويضرهم وتمكنه من الإيمان بمعرفة أوامره ونواهيه، وأعطاهم الأسماع والأبصار والعقول.


١ سورة الأنعام، الآية [١٤٩] .
٢ دفع إيهام الاضطراب ١٠/٣٣١.
٣ سورة الأنعام، الآية [١٤٩] .

<<  <  ج: ص:  >  >>