للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ١، وقوله تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ٢، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنّ الطبع على القلوب ومنعها من فهم ماينفع: عقاب من الله على الكفر السابق على ذلك. وهذا الذي ذكرنا هو وجه ردّ شبهة الجبرية التي يتمسكون بها في هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن العظيم"٣.

وقد ردّ على هذه الشبهة أيضا عدد من أئمة السلف؛ منهم العلامة ابن القيم -رحمه الله- الذي قال مبينا سبب الختم والطبع والران على القلوب: "ولكنه عقوبة على كفرهم وإعراضهم السابق؛ فإنه سبحانه يعاقب على الضلال المقدور بإضلال بعده، ويثيب على الهدى بهدى بعده، كما يعاقب على السيئة بسيئة مثلها ويثيب على الحسنة بحسنة مثلها.... –إلى أن قال:- فإنه إذا دعا عبده إلى معرفته ومحبته وذكره وشكره فأبى العبد إلا إعراضا وكفرا قضى عليه بأن أغفل قلبه عن ذكره، وصده عن الإيمان به، وحال بين قلبه وبين قبول الهدى؛ وذلك عدل منه فيه، وتكون عقوبته بالختم والطبع والصدّ عن الإيمان كعقوبته له بذلك في الآخرة مع دخول النار.... وكذلك عماهم عن الهدى في الآخرة عقوبة لهم على عماهم في الدنيا، ولكنّ أسباب هذه الجرائم في الدنيا كانت مقدورة لهم واقعة باختيارهم وإرادتهم وفعلهم، فإذا وقعت عقوبات لم تكن مقدورة، بل قضاء جار عليهم ماض عدل فيهم"٤.

وقد أجاب أيضا عن هذه الشبهة الإمام أبي العزّ الحنفي -رحمه الله- الذي قال: "والجواب الصحيح عنه أن يقال: إنّ ما يبتلى به العبد من الذنوب الوجودية وإن كانت خلقا لله تعالى، فهي عقوبة له على ذنوب


١ سورة الأنعام، الآية [١١٠] .
٢ سورة المطففين، الآية [١٤] .
٣ أضواء البيان ٤/١٤٤-١٤٥. وانظر: المصدر نفسه ٦/٦٥٣، ٧/١٠٩-١١٠، ودفع إيهام الاضطراب ١٠/٩-١٠. ومعارج الصعود ص٧٩.
٤ شفاء العليل ص٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>