للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن دعت إليه ضرورة وَحَرُمَ انْصِرَافُ مَنْ لَزِمَهُ جِهَادٌ عَنْ صَفٍّ إن قاومناهم إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ يستنجد بها ولو بعيدة وشاركا ما لم يبعد الجيش فيما غنم بعد مفارقته ويجوز بلا كره لقوي أذن له إمام مبارزة فإن طلبها كافر سنت له وإلا كرهت وجاز إتلاف لغير حيوان من أموالهم فإن ظن حصوله لنا كره وحرم لحيوان محترم إلا لحاجة.

ــ

وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَعُمُّ الْإِهْلَاكُ بِهِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي لَا بِحَرَمِ مَكَّةَ مَا لَوْ كَانُوا بِهِ فَلَا يَجُوزُ حِصَارُهُمْ وَلَا قَتْلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ " وَ " جَازَ " رَمْيُ " كُفَّارٍ " مُتَتَرِّسِينَ فِي قِتَالٍ بِذَرَارِيِّهِمْ " بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ وَكَذَا بِخَنَاثَاهُمْ وَعَبِيدِهِمْ " أَوْ بِآدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ " كَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ " إنْ دَعَتْ إلَيْهِ " فِيهِمَا " ضَرُورَةٌ " بِأَنْ كَانُوا بِحَيْثُ لَوْ تُرِكُوا غَلَبُونَا كَمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ على القلعة وإن كَانَ يُصِيبُهُمْ وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ أَوْ حِيلَةً عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْقِلَاعِ لَهُمْ وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ وَلِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِعْرَاضِ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِقْدَامِ وَلَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ قَتْلِ طَائِفَةٍ لِلدَّفْعِ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَمُرَاعَاةِ الْكُلِّيَّاتِ وَنَقْصِدُ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ وَنَتَوَقَّى الْمُحْتَرَمِينَ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ فِيهِمَا ضَرُورَةٌ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قتلهم بلا ضرورة وقد نهينا عن قتله وَرَجَحَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى جَوَازُ رَمْيِهِمْ وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الْآدَمِيَّ الْمُحْتَرَمَ مَحْقُونُ الدَّمِ لِحُرْمَةِ الدِّينِ وَالْعَهْدِ فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ وَالذَّرَارِيُّ حُقِنُوا لِحَقِّ الغائمين فَجَازَ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمُسْلِمِينَ.

" وَحَرُمَ انْصِرَافُ مَنْ لَزِمَهُ جِهَادٌ عَنْ صَفٍّ إنْ قَاوَمْنَاهُمْ " وَإِنْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْنَا كَمِائَةٍ أَقْوِيَاءٍ عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ لِآيَةِ: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} ١ مَعَ النَّظَرِ لِلْمَعْنَى وَالْآيَةُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أي لتصير مِائَةٌ لِمِائَتَيْنِ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} ٢ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مَنْ لَزِمَهُ جِهَادُ مَنْ لَمْ يلزمه كمريض وامرأة بالصف مَا لَوْ لَقِيَ مُسْلِمٌ مُشْرِكَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ انْصِرَافُهُ عَنْهُمَا وَإِنْ طَلَبَهُمَا وَلَمْ يَطْلُبَاهُ وَبِمَا بَعْدَهُ مَا إذَا لَمْ نُقَاوِمْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى مِثْلَيْنَا فَيَجُوزُ الِانْصِرَافُ كَمِائَةٍ ضُعَفَاءَ عَنْ مِائَتَيْنِ إلَّا وَاحِدًا أَقْوِيَاءٍ فَتَعْبِيرِي بِالْمُقَاوَمَةِ وَعَدَمِهَا أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِزِيَادَتِهِمْ عَلَى مِثْلَيْنَا وعدمها مَضِيقٍ لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ إلَى مُتَّسَعٍ سَهْلٍ لِلْقِتَالِ " أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ يَسْتَنْجِدُ بِهَا وَلَوْ بَعِيدَةً " قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً فَيَجُوزُ انْصِرَافُهُ لِقَوْلِهِ تعالى: {إِلَّا مُتَحَرِّفاً} ٣ إلَى آخِرِهِ " وَشَارِكَا " أَيْ الْمُتَحَرِّفُ وَالْمُتَحَيِّزُ " مَا لم يبعد الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ " كَمَا يُشَارِكَانِهِ فِيمَا غَنِمَهُ قَبْلَهَا بِجَامِعِ بَقَاءِ نُصْرَتِهِمَا وَنَجْدَتِهِمَا فَهُمَا كَسَرِيَّةٍ قَرِيبَةٍ تُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَهُ بِخِلَافِهِمَا إذَا بَعُدَا لِفَوَاتِ النُّصْرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْمُتَحَرِّفَ يُشَارِكُ وَحُمِلَ عَلَى مَنْ لا يَبْعُدْ وَلَمْ يَغِبْ وَالْجَاسُوسُ إذَا بَعَثَهُ الْإِمَامُ لِيَنْظُرَ عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ وَيَنْقُلَ أَخْبَارَهُمْ يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ فِي غَيْبَتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَصْلَحَتِنَا وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّبَاتِ فِي الصَّفِّ وَذِكْرُ مُشَارَكَةِ الْمُتَحَرِّفِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ زيادتي وإطلاق النص عدم الْمُشَارَكَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ بَعُدَ أَوْ غَابَ " وَيَجُوزُ بِلَا كُرْهٍ " وَنُدِبَ " لِقَوِيٍّ " بِأَنْ عَرَفَ قُوَّتَهُ مِنْ نَفْسِهِ " أَذِنَ لَهُ إمَامٌ " وَلَوْ بِنَائِبِهِ " مُبَارَزَةٌ " لِكَافِرٍ لَمْ يَطْلُبْهَا لِإِقْرَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَهِيَ ظُهُورُ اثْنَيْنِ مِنْ الصَّفَّيْنِ لِلْقِتَالِ مِنْ الْبُرُوزِ وَهُوَ الظُّهُورُ " فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ سُنَّتْ لَهُ " أَيْ لِلْقَوِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ لِلْأَمْرِ بِهَا فِي خَبَرِ أَبِي داود ولأن فِي تَرْكِهَا حِينَئِذٍ إضْعَافًا لَنَا وَتَقْوِيَةً لَهُمْ " وَإِلَّا " بِأَنْ لَمْ يَطْلُبْهَا أَوْ طَلَبَهَا وَكَانَ الْمُبَارِزُ مِنَّا ضَعِيفًا فِيهِمَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ كَانَ قَوِيًّا فِيهِمَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ " كُرِهَتْ " أَمَّا فِي الْأَوَّلَيْنِ فَلِأَنَّ الضَّعِيفَ قَدْ يَحْصُلُ لَنَا بِهِ ضَعْفٌ وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَيْنِ فَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي تَعْيِينِ الْأَبْطَالِ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ مِنْ زِيَادَتِي " وَجَازَ " لَنَا " إتْلَافٌ لِغَيْرِ حَيَوَانٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ " كَبِنَاءٍ وَشَجَرٍ وَإِنْ ظُنَّ حُصُولُهُ لَنَا مُغَايَظَةً لَهُمْ لِقَوْلِهِ تعالى: {وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ} ٤ الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} ٥ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} ٦ الْآيَةَ " فَإِنْ ظُنَّ حُصُولُهُ لَنَا كُرِهَ " إتْلَافُهُ هُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِنَدْبِ تَرْكِهِ حِفْظًا لحق الغانمين ولا يحرم لما مر.


١ سورة الأنفال الآية: ٦٦.
٢ سورة الأنفال الآية: ٤٥.
٣ سورة الأنفال الآية: ١٦.
٤ سورة التوبة الآية: ١٢٠.
٥ سورة الحشر الآية: ٢.
٦ سورة الحشر الآية: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>