للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

كره غزو بلا إذن إمام وسن أن يؤمر على سرية بعثها ويأخذ البيعة بالثبات وله اكتراء كفار واستعانة بهم إن أمناهم وقاومنا الفريقين وبعبيد ومراهقين أقوياء بإذن مالك أمرهما ولكل بذل أهبة وكره قتل قريب ومحرم أشد إلا أن يسب الله أو نبيه وَجَازَ قَتْلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَنْ بِهِ رِقٌّ وأنثى وخنثى قاتلوا وغيرهم لا الرسل وحصار كفار وقتلهم بما يعم لا بحرم مكة وتبييتهم في غفلة وإن كان فيهم مسلم ورمي متترسين في قتال بذراريهم أو بآدمي محترم.

ــ

دَارَنَا " لَزَمَنَا نُهُوضٌ لِخَلَاصِهِ إنْ رُجِيَ " بِأَنْ يَكُونُوا قَرِيبِينَ مِنَّا كَمَا يَلْزَمُنَا فِي دُخُولِهِمْ دَارَنَا دَفْعُهُمْ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدَّارِ فَإِنْ تَوَغَّلُوا فِي بِلَادِهِمْ وَلَمْ يُمْكِنْ التَّسَارُعُ إلَيْهِمْ تَرَكْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ.

فَصْلٌ: فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَمَنْ يُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ مِنْ الْكُفَّارِ وَمَا يَجُوزُ أَوْ يُسَنُّ فِعْلُهُ بِهِمْ.

" كُرِهَ غَزْوٌ بِلَا إذْنِ إمَامٍ " بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ نَعَمْ إنْ عَطَّلَ الْغَزْوَ وَأَقْبَلَ هُوَ وَجُنْدُهُ عَلَى الدُّنْيَا أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ إذَا اُسْتُؤْذِنَ لَمْ يَأْذَنْ أَوْ كَانَ الذَّهَابُ لِلِاسْتِئْذَانِ يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ لَمْ يُكْرَهْ وَالْغَزْوُ لُغَةً الطَّلَبُ لِأَنَّ الْغَازِيَ يَطْلُبُ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى " وَسُنَّ " لَهُ " أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَى سَرِيَّةٍ " وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنْ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ " بَعَثَهَا وَ " أَنْ " يَأْخُذَ الْبَيْعَةَ " عَلَيْهِمْ " بِالثَّبَاتِ " عَلَى الْجِهَادِ وَعَدَمِ الْفِرَارِ وَيَأْمُرَهُمْ بِطَاعَةِ الأمير ويوصيه بهم للاتباع " وَلَهُ " لَا لِغَيْرِهِ " اكْتِرَاءُ كُفَّارٍ " لِجِهَادٍ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْهُمْ فَأَشْبَهُوا الدَّوَابَّ وَاغْتُفِرَ جَهْلُ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْقِتَالُ عَلَى مَا يُتَّفَقُ وَلِأَنَّ مُعَاقَدَةَ الْكُفَّارِ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي مُعَاقَدَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ الْإِمَامِ اكْتِرَاؤُهُمْ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ لِكَوْنِ الْجِهَادِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَيُفَارِقُ اكْتِرَاءَهُ فِي الْآذَانِ بِأَنَّ الْأَجِيرَ ثَمَّ مُسْلِمٌ وَهُنَا كَافِرٌ لَا يُؤْتَمَنُ وَخَرَجَ بِالْكُفَّارِ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَجُوزُ اكْتِرَاؤُهُمْ لِلْجِهَادِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ وَتَعْبِيرِي بِكُفَّارٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِذِمِّيٍّ.

" وَ " لَهُ " اسْتِعَانَةٌ بِهِمْ " عَلَى كُفَّارٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا " إنْ أَمِنَّاهُمْ " بِأَنْ يُخَالِفُوا مُعْتَقَدَ الْعَدُوِّ وَيَحْسُنُ رَأْيُهُمْ فِينَا " وَقَاوَمْنَا الْفَرِيقَيْنِ " وَيَفْعَلُ بِالْمُسْتَعَانِ بِهِمْ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً مِنْ إفْرَادِهِمْ بِجَانِبِ الْجَيْشِ أَوْ اخْتِلَاطِهِمْ بِهِ بِأَنْ يُفَرِّقَهُمْ بَيْنَنَا " وَ " لَهُ اسْتِعَانَةٌ " بِعَبِيدٍ وَمُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءٍ بِإِذْنِ مَالِكِ أَمْرِهِمَا " مِنْ السَّادَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ نَعَمْ إنْ كَانَ العبيد موصى بمنفعتهم لبيت لمال أَوْ مُكَاتَبِينَ كِتَابَةً صَحِيحَةً لَمْ يُحْتَجْ إلَى إذْنِ السَّادَةِ وَفِي مَعْنَى الْعَبِيدِ الْمَدِينُ بِإِذْنِ الْغَرِيمِ وَالْوَلَدُ بِإِذْنِ الْأَصْلِ وَفِي مَعْنَى الْمُرَاهِقِينَ النِّسَاءُ الْأَقْوِيَاءُ بِإِذْنِ مَالِكِ أَمْرِهِنَّ " وَلِكُلٍّ " مِنْ الإمام وغيره " بَذْلُ أُهْبَةٍ " مِنْ سِلَاحٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا" وَذِكْرُ الْأَمْنِ وَالْمُقَاوَمَةِ فِي الِاكْتِرَاءِ وَمَالِكِ الْأَمْرِ فِي الْمُرَاهِقِينَ وَغَيْرِ الْإِمَامِ فِي بَذْلِ الْأُهْبَةِ مِنْ زِيَادَتِي " وَكُرِهَ " لِغَازٍ " قَتْلُ قَرِيبٍ " لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الرَّحِمِ " وَ " قَتْلُ قَرِيبٍ " مَحْرَمٍ أَشَدُّ " كَرَاهَةً مِنْ قَتْلِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهِ " إلَّا أَنْ يَسُبَّ اللَّهَ " تَعَالَى " أَوْ نَبِيَّهُ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَذْكُرَهُ بِسُوءٍ فَلَا يُكْرَهُ قَتْلُهُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ نَبِيِّهِ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَسُبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ.

" وجاز قتال صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَنْ بِهِ رِقٌّ وَأُنْثَى وَخُنْثَى قَاتَلُوا " فَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا حَرُمَ قَتْلُهُمْ لِلنَّهْيِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِلْحَاقِ الْمَجْنُونِ وَمَنْ بِهِ رِقٌّ وَالْخُنْثَى بِهِمَا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْأَصْلِ حُرْمَةَ قَتْلِهِمْ وَكَالْقِتَالِ السَّبُّ لِلْإِسْلَامِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ وَذِكْرُ مَنْ بِهِ رِقٌّ مِنْ زِيَادَتِي " وَ " جَازَ قَتْلُ " غَيْرِهِمْ " وَلَوْ رَاهِبًا وَأَجِيرًا وَشَيْخًا وَأَعْمَى وَزَمِنًا وإن لم يكن فيهم قتال ولا رأى لعموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ١ لَا الرُّسُلِ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِجَرَيَانِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي " وَ " جَازَ " حِصَارُ كُفَّارٍ " فِي بِلَادٍ وَقِلَاعٍ وَغَيْرِهِمَا " وَقَتْلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ لَا بِحَرَمِ مَكَّةَ " كَإِرْسَالِ مَاءٍ عَلَيْهِمْ ورميهم بنار منجنيق " وَتَبْيِيتُهُمْ فِي غَفْلَةٍ " أَيْ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا " وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ " أَوْ ذَرَارِيُّهُمْ قَالَ تعالى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} ٢ وَحَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيق رواه البيهقي.


١ سورة التوبة الآية: ٥.
٢ سورة التوبة الآية: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>