للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذهب بن عبد الله قاضي الكوفة وعبيد الله بن الحسين العنْبري وأحمد وإسحاق إلى أنه يؤاجر في الدين إذا كان يكتسب ما يفضل عن نفقته.

ونحن نقول: إن الله سبحانه قال: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (١) والمفلس وإن كان قادرًا على الاكتساب بخدمته فهو ذو عسرة، والله سبحانه حكم فيه بأن يؤخر إلى نظرة وجَبْره على أن يؤاجر نفسه ليس هو التأخير إلى نظرة.

وذهب المخالفون في ذلك إلى التعلق بما روي أنه عليه السلام "باع سراق (٢) في دين عليه" (٣)، وروي أنه "باع حرًا في دينه" (٤)، وهذا الحديث لا بد للمخالف أن يضمر فيه إضمارًا إذا وقع الاتفاق على أن الحر لا تباع رقبته في الدين.

وإذا ثبت الافتقار إلى إضمار فأضمروا هم في قوله "باع حرا في دينه" أنه أراد: باع منافعه.

ولنا نحن أن نضمر أنه أراد به: باع ماله. وأيضًا فإنا نقول: يمكن أن يكون رضي الحر بأن يؤاجَر في الدين. ونحن لا نمنع من ذلك إذا رضي بها الحر، وإنما نخالف من ذكرنا مذهبه في أنه لا يجبر على ذلك إذا امتنع.

وأما قوله "باع سرقًا في دين" فيحتمل تأويلات ثلاثة، وهو: أن يكون هذا الرجل عبدًا، ونحن نسلم بيع العبد في الدين.

لكن لهم أن يقولوا: أما تأويلك أن يكون المراد أنه آجره برضاه فتعسف لأجل أنه إذا كان رضي ذلك لم يحتج إلى أن يؤاجره النبي عليه السلام.


(١) البقرة: ٢٨٠.
(٢) هكذا في النسختين، والصواب: سَرِق. انظر البيهقي السنن: ٦: ٥٠
(٣) البيهقي: السنن: ٦: ٥٠.
(٤) البيهقي: السنن: ٦: ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>