للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: يمكن أيضًا أن يكون تولّى النبي عليه السلام ذلك ليقسم إجارته على غرمائه، إذ المحاصة بين الغرماء يفتقر فيها إلى التحاكم. وقد ذكر في حديث "سرق" تأويل آخر: أنه كان في أول الإِسلام، وكان الحر يباع في الدين حينئذ.

وذكر بعض العلماء أن زيد بن أسل قال: "لقيت رجلًا بالاسكندرية سميَّا بهذه التسمية، فسألته عنها، فقال: إني قدمت المدينة وذكرت لهم أن مالي سيلحقني، فعاملوني، فلم يصل إليهم مال، فدفعوني إلى النبي عليه السلام فقال: "أنت سرق" وباعني بأربعة أبعرة، فاشتراني رجل أراد عتقا، فسأله الغرماء عن سبب شرائه لي فأخبرهم أنه يريد عتقي، فقالوا: لست بأرغب منّا في الخير فأعتقوني أجمعون" (١). هذا معنى هذه الحكاية المروية. وقد انعقد الإجماع على أن الحر لا يباع في الدين فإن ثبت ما ذكر في هذا الخبر فقد كان ثم نسخ.

وكان بعض أشياخي يحمل ما ذكرناه عن المذهب في هذا على أن ذلك في التجار الذين يعاملون على أموالهم وذممهم. وأما إن كان صانعا صعلوكًا يعلم أنه لا يكتسب إلا من عمل يده فإنه إنما يعامل الناس عليه. فإذا استدان دينًا وفضل له من عمل يده ما يجب أن يصرف مثله (بمثله من المفلسين) (٢) فإنه يجبر على التكسب من عمل يده، وإذا امتنع من ذلك استأجره القاضي ويصير عمل يديه ها هنا كمال التاجر الذي يعامل عليه. هذا إذا عومل بدين وأما لو استؤجر على شيء بعينه، مثل حياكة ثوب. يحوكه بنفسه، فإنه يجبر على عمل ذلك وإن أدى إلى أن يقتات من تكرم الناس. وتصير هذه المنافع كانه باع سلعة معينة فعليه تلسيمها وإن أضر ذلك به، ما. لم يخش عليه منه تلف النفس لعذر

القوت ولو تكفف الناس.


(١) البيهقي: السنن: ٦: ٥٠.
(٢) ما بين القوسين ساقط من المدنية.

<<  <  ج: ص:  >  >>