للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجواب عن السؤال الخامس أن يقال:

إذا رفع الغريم للقاضي، وطلبه بقضاء ما عليه من ديون ثبتت عنده عليه، فادعى العجز عنها، فإنه يعتبر في ذلك وجهان:

أحدهما سبب الدين. والثاني: حال الرجل الذي عرف بها.

وأما اعتبار سبب الدين، فإنه إن كان الدين عن معاوضة مالية، كمن اشترى من رجل متاعًا أو ما في معناه من أنواع ما يتجر به، فلما طلب بالثمن وقد قبض المثمون وزعم أنه عاجز عن ذلك فإنه لا يصدق في ذلك بالاتفاق بمجرد قوله، حتى يظهر ما يدل على صدقه. وذلك أن الغِنَى مما يعلم قطعًا، والفقر مما لا يعلمه إلا الله سبحانه، ومَن يدعيه في نفسه. وأما سائر الناس - فتجوز عقولهم أن يكون عند الرجل مال أخفاه، لكن ربما كانت قرائن أحوال تبلغ إلى العلم ولكنها مما لا يمكن تنويعها وتقديرها، وهي أيضًا مما يندر ويشذ. واستصحاب الأصول هو مقتضى الشرع وقد علم أن هذا أخذ المثمونات فإذا ادعى الفقر قيل له: فأين المثمونات؟ فأظهرها لياخذها أصحابها أو يأخذون أثمانها. وقد صار ها هنا كالمعلوم الكذب في ظاهر المظنون، فلهذا قلنا لا يقبل دعواه الفقر إلا أن يثبت ما يدل على صدقه من جوائح طرأت على ما في يده فعلمت بنظر فيها إذا ثبتت.

والنوع الثاني من أسباب الاستدانة أن يكون ذلك عن معاوضة ولكنها ليست بمالية، كمن وجب عليه صداق امرأة، فالصداق ثمن لمثمون ولكن المثمون مما لا يباع ولا يشترى.

ويلحق بذلك نوع ثالث وهو أن يكون الدين عن غير عوض لا مالي ولا غير مالي كنفقة الأبوين والأولاد، وكمن وجب عليه تقويم شِقص في عبد عتق نصيبه منه، فهذا قد يقع فيه إشكال، بخلاف ما كان عن معاوضة. فوقع في المبسوط لمالك رضي الله عنه ما يشير إلى أنه يصدق في دعوى الفقر لأنه قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>