للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنما يفلس الرجل التاجر، وأما من كان ليس بتاجر ولا يتهم أن يكون أخفى مالًا فليس يفلس ولا يستحلف. فأشار إلى أن التجار إنما يُطلبون بديون عن معاوضة، فنحن نستصحب ما عرفوا به من المَلإ حتى يثبت خلافه، وإلى مثلهم تطرق التُّهم بأنهم أخفوا المال. وأما من ليس بتاجر وكان مشتهرًا بالصعلكة وقلة ذات اليد، فالظاهر صدقه في دعواه الفقر، فيقبل ذلك منه.

وقد مال بعض الأشياخ الحذاق إلى ما هو المعروف من المذهب من أن دعوى الفقر لا يقبل من الغريم من غير التفات إلى سبب المداينة. وقال: إن الأغلب من الناس اليسار فهذا مسلك آخر وهو رد النادر إلى الأغلب والغالب عنده من الناس اليسار.

والطريقة الأخرى استصحاب الحال في كون من أخذ الأعواض فهي باقية عنده وأثماره أو عُرف بالمال فإنه يستصحب ذلك منه حتى يثبت خلافه.

وبالجملة قد نبهتك على أن المطلوب من ثبوت الفقر غلبة الظن، إذ لا (يحتج القطع) (١) على باطن الأمر. وغلبات الظنون تختلف وتستمد من الالتفات إلى مجاري العادات في أمثال الأشخاص المدعين الفقر، وقرائن حال كل واحد بعينه، وإن لم يمكن ذلك فيه فيتلقى من مقتضى العوائد في أمثاله. فهذا الذي يجب أن يعتمد عليه.

ومما ينبني على هذا الأصل مما ورد في الروايات ما ذكره في المبسوط عن عبد الملك بن الماجشون من كون (٢) وجب عليه تقويم بقية عبد قد أعتق هو منه نصيبه، فإنه يقبل منه دعواه عجزه عن القيمة التي وجبت عليه إن لم يكن له مال ظاهر، وقد سئل عنه جيرانه ومن يعرفه فقالوا: لا نعرف له مالًا ويحَفف، وقال سحنون: جميع أصحابنا على هذا إلا اليمين فإنه لا يوجبونه. وقد قدمنا عن مالك في المبسوط أنه من ليس بتاجر ولا يتهم بإخفاء ماله أنه لا يفلس ولا


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: يحتاج للقطع.
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب إضافة: مَن.

<<  <  ج: ص:  >  >>