للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يستحلف. وكأن من استحلفه قدر، أن أقصى أحوال هذه القرائن إن شرطنا بأنه صدق من دعواه الفقر. ولو شهدت بينة بفقره وإعساره فلا بد أن يستحلف خلافًا لأبي حنيفة في ذهابه إلى أن من شهدت بينة بكونه معسرًا فإنه لا يستحلف مع شهادة البينة بذلك.

وبالغ في الإنكار عليه بعض العلماء وقال: إن الشهادة بالفقر إخبار بظاهر الأمر دون باطنه فلا بد من أن يحلّف على صحة ما ادعاه من باطن أمره الذي لا يصح أن يعلمه من شهد بفقره وهذا كمن استحق سلعة بشهادة بينة أنها ملك له، فلا بد أن يحلف: أنه ما باع ولا وهب لكون الشهود لا يعلمون هذا الباطن بل يجوز أن يكون باع أو وهب. ولأجل الالتفات إلى تصحيح ما ادعاه من الباطن أشار مالك إلى الوقف عن قبول شهادة من شهد بفقر رجل وإعساره، وهو معروف بالمال والملاء، وقال: من أين يعرف الشهود ذلك؟ إلا أن يكون اطلعوا على الأسباب التي ذهب ماله لأجلها، يشهدون بأمر يقطعون: وهو ذهاب ذلك المعلوم من المال.

وإلى هذا أيضًا ذهب الشافعي فقال: لا تقبل الشهادة يكون الرجل المعروف بالملاء معسرًا، وتقبل الشهادة إذا ذكر الشهود أسباب ذهاب ماله. إلى هذا المعنى أشار الشافعي، وهو نحو مما أشار إليه مالك. وهكذا أيضًا مذهب الشافعي في مراعاة استصحاب الأصل الذي عليه الإنسان من غنى أو فقر. وهذا الاستصحاب في مثل هذا السؤال أشار إليه الشرع: فمن ذلك ما روي: أن رجلين أتيا إلى النبي عليه السلام فسألاه في الصدقة، أعطيكما بعد أن أعلمكما أنها لا حقالغنئ فيهالأولا لذي مكسب فيها (١)، فاعطاهما الصدقة تعويلًا على ظاهر أمرهما أنه لم يعلم لهما مالًا. وروي عنه أنه عليه السلام قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاث" وذكر إلى أن قال: ورجل ذكر أنه أصابته جائحة


(١) مشكاة المصابيح: ١/ ٥٧ - حد ١٨٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>