للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن قضاء هذا الدين، ومن كونه ممن يتجلد على الحبس، وهو عنده أخف من إظهار ما كتم من مال، إلى غير ذلك مما لا يكاد يحصى من قرائن الأحوال.

فلكل نازلة حكمها، هذا هو التحقيق فيها. قال عبد الملك بن الماجشون من أصحابنا: يحبس في الدريهمات اليسيرة نصف شهر ونحوه، وفي الوسيط من ذلك الشهرين والثلاثة، وفي الكثير من المال الأربعة أشهر وهكذا نقل عن أبي حنيفة: إنما يحبس الشهرين والثلاث قولًا على الإطلاق. ونقل عنه أنه يحبس أربعة أشهر. وبعض أصحابه قال: أربعة أشهر حبس لمن كان غنيًّا، وما سواه لمن لم يكن كذلك. وبالجملة فلا يقوم على التحديد دليل، فإنما يعتبر فيه ما ذكرناه من حصول غلبة الظن بصدقه في فقره، أو يشهد له من يعلم كثيرًا من باطن حاله كالشريك، والصديق، والمخالط.

وقد استدل بعض الناس على حبس الغريم بقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (١) وهذا في معنى الحبس.

ولو استدل بهذه الآية على حبس الغريم ما كنا قدمناه عن أبي حنيفة من كونه يرى أن الغرماء أصحاب الديون أن يلزموا غريمهم ويدورون معه حيث دار، لكان ذلك أولى من الاستدلال بها في حبس الغريم.

وإذا ثبت وجوب الحبس على الجملة بالتشديد فيه والتضييق والتسهيل فيه بحسب أيضًا ما تقتضيه غلبات الظنون، فيضيق في حبس الملك (٢) المتهم بإخفاء المال المعروف بسوء القضاء ما لا يضيق فيمن كان بخلاف هذا الحال.

وقد اختلف المذهب في تمكين زوجته من الكون معه في الحبس بموضع يسوغ لها أن تكون فيه لتبيت معه أو لتخدمه، ولا يخرج لتمريض قريب إلا الأبوين والولد والأخوة ومن مثلهم في القرابة، ولا يخرج لمن سوى ما ذكرنا من القرابات.


(١) آل عمران: ٧٥.
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: المليّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>