للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على طالب الدين منه كالأبوين فإنهما لا يحبسان في دين الولد عليهما لأجل حرمتهما عليه ووجوب برهما لديه، وتحريم الباري سبحانه عقوقهما على الولد وقد قال تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (١) وهذا غاية في المبالغة في النهي عن فعل ما يؤذيهما ويكون عقوقا لهما. وحبسهما لا يخفى عن العقلاء أنه أبلغ في أذاهما من أن يقال لهما: أف. ولكن لا يظلم أيضًا الولد لهما بل يتكلف القاضي من التشديد عليهما ما يؤديه الاجتهاد إليه في تخليص دين الولد عليهما، وإيصال ذلك إليه. لكن لو كان الأب امتنع من الإنفاق الواجب عليه لابنه الصغير ولم يمكن القاضي أخذ ذلك منه إلا بحبسه فإنه يحبسه في ذلك.

وعلل ابن عبد الحكم هذا بأن ذلك إن لم يفعل أدى ذلك إلى ضرر الولد وهلاكه.

وعندي أنه يمكن أيضًا أن يضاف إلى ذلك علة أخرى وهي أن الولد الصغير غير مكلف، وإذا كان القاضي هو الذي حبس والد الصغير فكأن الصغير لم يعق أباه ولا هو الذي حبسه وأنه حبسه من لا حرمة بينه وبينه، وهو القاضي، في حق الله سبحانه الذي طُلب به القضاة في صيانة حياة من لا يعرف صيانتها وصيانة ماله.

ولو كان على هذا التعليل ابنة بلغت بكرًا في حجر أبيها فهي مخاطبة بأن لا تعق أباها، وطلبت هي حبسه في الإنفاق عليها عُدنا إلى التعليل الأول وهو: ما يلحق الولد من الضرر وخوف الهلاك لسبب عدم الإنفاق.

ولو كان في يد الأب مال لولده وعلى الولد دين يحبس الأب، ها هنا حتى يسلم ما في يديه، إن لم يقدر على تخليص ذلك منه بغير الحبس. وكان هذا لِحَقِّ رجل آخر وهو الذي له الدين على الولد وهو أجنبي من الأب،


(١) الإسراء: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>