للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الاضراب عما يستحق المقر له مثل أن يقول: له عندي كذا، بل له عندي. فإنه لا يخلو من أن يكون رجع في الإقرار الثاني إلى زيادة عما أقرّ به أوّلا، والنوع واحد، أو إلى أنقص منه، والنوع واحد. فإن رجع إلى زيادة عمّا أقر به أوّلا قضي عليه بالزيادة التي رجع إليها، مثل أن يقول: لزيد عندي مائة دينار، بل ألف دينار. فإنه يقضى عليه بألف دينار لا أكثر، لكونه أضرب عن المائة ورجع إلى الاعتراف يكون المائة ألفا. وهذا الحرف الذي هو حرف "بل" يسميه النحاة حرف إضراب في قول العرب: جاء زيد بل عمرو. فكأن المراد أن زيدًا لم يجىء وإنما جاء عمرو.

ذكر ابن سحنون عن المخالف أنه يقول: إن القياس إلزام المقر الجملتين جميعًا ما أقرّ به أوّلا وهو مائة دينار، ثم ما رجع إليه وهو ألف دينار، فيغرم الألف ومائة دينار. قال: ولكنا نستحسن أن لا يُلزمَ المِقر الألف دينار.

وانكر ابن سحنون هذا القول، وقال: كيف يخالَف القياس بغير أثر، ولا قول سلف. والكلام في الحكم بالاستحسان للمخالف للقياس يتسع، وموضعه كتاب الأصول، وللأصوليين في تأويل الانشحسان المتبع دون القياس تأويلات مبسوطة في كتاب الأصول.

وكأن من رأى أن القياس أن يغرم المقر الجملتين يقول: فإن قول المقر: لزيد عندي مائة دينار، أوجب استقرار مائة في ذمة المقر، فليس له إسقاطها، وقوله: بل له ألف دينار، إقرار بجملة ثانية، فيؤخذ بالجملتين.

ولو كان الاضراب عن الأول إلى ما هو أقل منه، مثل أن يقول: لزيد عندي ألف دينار بل خمسمائة، والكلام متصل بعضه ببعض، لم تلزمه إلا خمسمائة دينار، ويقدر ما أضرب عنه كأنه استثناء بالقول الثاني. ولو قال: لزيد عندي ألف دينار إلا خمس مائة لم يقض عليه إلا بالخمس مائة، وكذلك إذا بدّل حرف الاستثناء وهو "إلا" بحرف "بل" فقال: بل خمسمائة دينار. ولو قال: بل خمسمائة دينار، بعد انقضاء القول الأول، واستئناف هذا الاضراب بعد زمن

<<  <  ج: ص:  >  >>