للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحكم بالفقر يمينُه. واستحلافه مع غيبته يتعذر. فهذا قد يجري على قولين عندنا، لكون هذا اليمين يمينَ استظهار، لأجل التهمة بأنه أخفى مالًا، ويمين الاستظهار والتهم ليس من القوة ما للأيمان الواجبة عن الدعاوي المحققة.

واختار بعض أشياخي في هذا الاكتفاءَ بثبوت فقر الغريم في غيبته، وعدمُ استحلافه لا يثبت غرامة على الكفيل لأجل عدم اليمين، لما ذكرناه من كونها يمين استظهار. وهذا على المشهور. وأما على رواية ابن الجهم عن مالك: فلا شك في أن هذا الذي ثبّته الكفيل لا يسقط عنده (١) الكفالة، لأن ما رواه ابن الجهم أثبت فيه غرامة الكفيل بالوجه، ولو حضر الغريم وأثبت فقره وحلف على صحة فقره، فكيف بهذا الذي لم يحضر ولم يحلف.

واعلم أن الحمالة بالوجه تقتضي عندنا الزام الكفيل إحضار الغريم الذي تحمل بوجهه لوجاء بنفسه إلى من له الدين فقال له: ها أنا جئتك ومكنتك من نفسي وطلبي فأسقط الكفالة بوجهي عن الذي تكفل ذلك به. فإن ذلك لا يسقط الكفالة.

هكذا ذكر في المدونة وغيرها. لكن ابن المواز قال: إلا أن يكون الكفيل بالوجه قال للغريم: اذهب فسلم نفسك إلى من له الدين عليك. ففعل الغريم، فإن ذلك يسقط الكفالة إذا ثبت ذلك، ويكون حينئذ الغريم كوكيل للكفيل على تسليبم الغريم لمن له الدين. ونحن لا نشترط أن يُحضر الكفيل الغريمَ بنفسه، بل يجزيه أن يوكل من يحضره لربّ الدين.

ومذهب الشافعية سقوط الكفالة بتمكين الغريم من نفسه صاحبَ الدين لأن القصد بكفالة الوجه: لا يتغيب الغريم عن من له الدين إذا طلبه به. وهو ها هنا لم يتغيب، وحصل المقصود من الكفالة، فلا يلتفت إذا حضر المقصود، إلى من حصل ذلك به: هل بالكفيل أو بالغريم؟ وإلى هذا ذهب محمَّد بن عبد


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>