للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما مالك فيحتج له بقوله - صلى الله عليه وسلم - أن بلالًا ينادي بليل فكلوا وأشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم (١). وانفصل عن هذا بأن معناه أنه كان ينادي مشعرًا بالسحور. وقد قال بعض أصحابنا قد روي أن بلالًا يؤذن بليل. والأذان تسمية تقع في العرف على ألفاظ مخصوصة، الغرض بها الدعاء إلى الصلاة. ولو كان معناه الإشعار بالسحور لم بسم أذانًا ولا ذكرت فيه الحيعلة. وقد أشار بعض المتعقبين من أصحابنا إلى أن الحديث لا يستقل دليلًا في أن الغرض به الدعاء إلى الصلاة. وأما أبو حنيفة فيحتج بقوله عليه السلام لبلال: لا تؤذن حتى يستبين الفجر هكذا ومد يديه عرضًا (٢). وقال أصحابنا في الانفصال عن هذا قد يكون أراد به استدعاءه - صلى الله عليه وسلم - للصلاة أو غير ذلك من وجوه الاحتمال. ويحتج أيضًا بما روي أن بلالًا ينادي بليل فأمره عليه السلام أن يرجع فيقول: "ألا إن العبد قد نام" (٣). فأمره بتلافي غلطه في أذانه بليل. وقال أصحابنا في الانفصال عن هذا قد يكون أخر الأذان عن عادته فخيف على السامعين العارفين بعادته أن يقدروا ما بقي من الليل متسعًا فيتسحرون وقد طلع الفجر. ولو كان قدمه قبل عادته لأمره أن يرجع فيقول ألا إن العبد قد استيقظ قبل وقته. ويحتج أيضًا بما روي أن علقمة سمع من نادى بليل فقال: "أما هذا فقد خالف سنة أصحاب محمَّد. ولو كان نائمًا حتى طلع الفجر فنادى (٤) كان خيرًا له" (٥). وأجاب عن هذا أصحابنا بأنه يحتمل أن يكون هذا النداء كان قبل نصف الليل، والنداء قبل نصف الليل لا يجوز. فلهذا أنكر عليه. ويحتمل قوله: فإذا طلع الفج رنا دى،


(١) رواه البخاري ومسلم ومالك والبيهقي وغيرهم: السنن ج ١ ص ٣٨.
(٢) عن شداد مولى عياض قال جاء بلال للنبي - صلى الله عليه وسلم -وهو يتسحر قال لا تؤذن حتى ترى الفجر، ثم جاءه من الغد فقال لا تؤذن حتى يطلع الفجر، ثم جاءه من الغد فقال لا تؤذن حتى ترى الفجر. هكذا وجمع بين يديه ثم فرق بينهما. حديث مرسل البيهقي ج ١ ص ٣٨٤. وروي بروايات متصلة كلها ضعيفة.
(٣) رواه البيهقي بطرق مختلفة في الباب (رواية من روى النهي عن الأذان قبل الوقت) ج ١ ص ٣٨٣.
(٤) حتى يطلع الفجر فينادي -و-.
(٥) ابن أبي شيبة ج ١ ص ١٩٤ ح ٢٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>