الحج مؤرخة بسنة ١٠٤٨، أي عند انطلاقة الثورة المذكورة. فإذا حل يوسف باشا بقسنطينة فالمنتظر من الفكون لا إبداء الطاعة فقط ولكن المساعدة على جمع الكلمة وحصول الأمن العام وتوحيد الصف وراء الحاكم الشرعي للبلاد. والثورة لم تبق في الريف فقط ولكن امتدت إلى المدينة أيضا، وشاركت فيها، حسب بعض الوثائق، أسرة عبد المؤمن أيضا. وكان ذلك في رجب ١٠٥٢ وقد دامت المعارك في شوارع المدينة يومين.
ولكن تدخل العلماء من أمثال الفكون أرجع الأمن والهدوء. ووقعت في الريف هزيمة منكرة ليوسف باشا والباي مراد وشعبان (١٠٥٣). ولم تكد تحل سنة ١٠٥٤ حتى ضرب الطاعون أيضا، كما عرفنا، ثم في سنة ١٠٥٧ تواصل الجفاف وحلت مجاعة كبيرة أدت إلى مضاعفة النهب وحوادث الاعتداء.
وهكذا ظهر للفكون وأمثاله أن السلطة كانت عاجزة عن القيام بدورها، فاستعملوا نفوذهم الروحي والمعنوي وحافظوا ما استطاعوا على الأمن والنظام، واتفقوا على كتابة رسالة جماعية يطلبون فيها من باشا الجزائر تعيين حاكم عليهم، يساعدهم ويساعدونه. وماذا كان ينتظر الباشا غير هذا؟ ولكنه بدل أن يرسل حاكما جديدا لا يعرف المدينة وأهلها، طلب منهم أن يقترحوا عليه حاكما وهو يصادق عليه ففعلوا. وكان الاختيار قد وقع على فرحات بن مراد باي، الذي قتل الثوار والده أثناء الثورة المذكورة. ولا شك أن الاقتراح كان من الفكون أو بوحي منه. ومن غريب الصدف أن فرحات هذا قد عاش إلى سنة ١٠٧٥، أي سنتين بعد وفاة الفكون. وقد سبق القول أن كلا من الفكون